Page 56 - merit 54
P. 56
العـدد 54 54
يونيو ٢٠٢3
النصوص .اللغة تظهر أسلوب وحصيلة الكاتب آخر هو نص «رسالة إلى إيلين» للطيب صالح،
منها جماليًّا وقدرته على تفعيل وظيفتها التواصلية ووردت في بداية رسالة ذلك النص جملة «هذه
الليلة الأولى بدونك »..ومن دونك وبدونك كلاهما
مع القارء ،وإذا ما تناولنا أول النصوص المعنون ذات المعنى وإن كانت الأولى لأريج جمال أفصح.
بـ»المدينة الداخلية» ،نرى شخصية رئيسية تعاني ما إن نعبر الغلاف والعنوان ،تترصدنا عتبة/
جملة سارة حجازي وهي الناشطة /الكاتبة التي
من غرابة انقطاع صلتها باللغة ،عل ًما أننا سنرى بترت تعبها بالانتحار في الغربة ،بعبارة نعاين
تنويعات عل فكرة «فقدان اللغة» وأي ًضا تعددها عبر عمقها بقولها «من المحتمل أن نقع في الحب،
والوقوع هذا أراه وقو ًعا في قلب العالم» ،فنجد
لغات أخرى .في «المدينة الداخلية» نتساءل عن المزيد من التساؤل :أي عالم تؤسس الكاتبة؟ ما
طبيعة المدينة وهيمناتها التي تسلب لغتك ،فنراها مدى وجود الحب والعالم؟ لنغمر بفقرة لاحقة
تصف علاقتها بها في قولها« :تمنيت أ َّل أتورط من مجموعة «بيت الضو» أي ًضا للطيب صالح
في أنين أي مخلوق على ظهر المدينة» .حاولت والتي تبدأ عن اكتشاف أحدهم ص َّرة ،وتفحص
أن أصير لو ًحا من زجاج في البداية ،ثم دولا ًبا الأغراض ،ونوم وصحو بانهيار الشخصية بالبكاء
«بالدمع الغزار» ،بعد ذلك وقبل انزلاقنا أكثر لعوالم
من خشب ،قبل أن أحاول تم ُّثل روح ورقة المجموعة ،تصادفنا عتبة الإهداء «إلى رشا الأمير
بيضاء ،مع كل ذلك لم تظهر اللغة ،لم ترسل أ َّية وصهيب أيوب ..حب يتجاوز الحدود والخوف
والسكوت» ..لرشا الأمير و ُصهيب أيوب ،وهو
إشارة إستغاثة» .مدينة داخلية تكثر بها الأسئلة إهداء شخصي ،يحمل البساطة والرسالة لشخصين
وتضفي دهاليز النفس المزيد من الحيرة المد ِّوخة يربطهما مع الكاتبة الود ،كما أنهما شخصان
للشخصية الرئيسية ،تفقدها القدرة على التعامل مع يمتازان بالرفض للطغيان والتشبث بالحرية ،وهي
الناس حولها ،التعاطى مع كائنات أخرى كزقزقة
العصافير ،بالإضافة إلى تجاوبها مع لغات أخرى، سمة -أيضا -أحاطت بالشخصيات.
مع سؤالها الموجع «هل يمكن لأي مخلوق العيش
يحتمل العيش كما أعيش؟» لتفتح باب الأحلام التجوال المتمهل للغة
الذي هو أي ًضا لغة لها رموزها وحيلة للتأقلم لا تمر اللغة بنصوص أريج جمال دون أن نتوقف
وتبيان العلاقة بين الأنا والآخر. عندها ،هناك جمل تنضوي
بداخلها أنوار فاتنة تضيء
يخيِّم على القصص آلام شخصيات تأتي بلا بتراكيبها المبتكرة والموحية
أسماء ،بالتالي يمكن تواجدها في أي مكان وزمان، المعاني اللامعة بشعريتها،
فلا هي غارقة بلجج الشعر
تمر ضمن علاقات مرفوضة تما ًما وصلات ولا هي مقصاة عنها
منقطعة وأحلام مبتورة ،ومجتمعات صنميَّة لا يابسة ،نصوص محمولة
تقرأ الاختلاف ،بالتالي يدهشها على جناح لغة رهيفة ،لها
القاريء النهم ،ويصبح مدعاة نكهتها وإيقاعها ،تمارس
استغراب ،فالمغايرة نتوء لا إيهاماتها فتمحي المسافات
بد من اجتثاثه ،هكذا نرى أن ما بين الواقع والتخييل،
الشخصيات غالبًا مسلوبة اللغة، كما أن حيلة الحلم -أو
أو منقطعة القدرة على التواصل، مايشبهها -حاضرة ببعض
أو تجعلك تبحث عن لغة أخرى
كوسيط وترجمان لصمتها
وآلامها.
يستمر المشي بين عشرة
نصوص هي «المدينة الداخية»،
«لون المحيط الأزرق»« ،وسط
البلد»« ،أطول نظرة ممكنة»،