Page 51 - merit 54
P. 51

‫‪49‬‬             ‫إبداع ومبدعون‬

               ‫رؤى نقدية‬

  ‫محاول لاستشراف المستقبل واكتشافه‪ ،‬فألبست‬                                         ‫عليها نو ًعا من الانزياح‪ .‬هذا العدول‪ /‬الانتقاء‬
                                                                               ‫يمثل صدى أفكارها‪ ،‬ورؤيتها النقدية‪ ،‬ومشاركتها‬
  ‫الماضي ثوب المضارع‪ ،‬والمستقبل يجليه الكشف‪،‬‬
                                                                                ‫الفعالة مع جمهورها‪ ،‬إنه تعبير حقيقي عن وعي‬
    ‫أصبح معاص ًرا معي ًشا الآن‪ .‬أصبحت أم كلثوم‬                                      ‫الفنان‪ ،‬وعن إحساسه بالكلمات‪ ،‬وعن إدراكه‬
  ‫رم ًزا للحب‪ ،‬إنه ح ٌب استنثنائي‪ ،‬حب للجميع‪ ،‬إنه‬
  ‫ليس حبًّا موقفيًّا‪ ،‬إنما هو حب حالة‪ ،‬قوامه كيان‬                               ‫العلاقة الخالدة بين الشعر والغناء‪ ،‬عن علمه بأن‬
‫الإنسان‪ ،‬إنه حب معطاء‪ ،‬لا ينتظر جزا ًء أو شكو ًرا‪،‬‬                              ‫جمهوره ينقسم إلى نوعين؛ الأول يتذوق الجمال‪،‬‬
                                                                               ‫والآخر لا يتذوقه‪ .‬وهذا التذوق علامة الاستمرار‪،‬‬
      ‫لا يتوقع مد ًحا أو إثابة‪ ،‬إنه حب للحياة‪ ،‬حب‬                                ‫علامة المزيد والعطاء‪ ،‬أيقونة الإغراء للفنان‪ ،‬لكن‬
  ‫للحب‪ ،‬وستبقى أم كلثوم ما جرى شريان الحياة‬                                   ‫العلاقة جدلية‪ ،‬فكلما زاد الإعجاب‪ ،‬كلما حل التذوق‬

    ‫في مصرنا‪ .‬وقد عكس كتاب (أم كثوم‪ -‬الشعر‬                                        ‫في النفوس‪ ،‬كلما ظهر تجلي الجمال في الوجوه‪،‬‬
                                                                              ‫وكلما ازداد حرص الفنان على الأداء والإلقاء‪ ،‬وكان‬
    ‫والغناء) هذه الأيقونات بد ًءا من عتبة الغلاف‪،‬‬
    ‫ومرو ًرا بالنص المركزي الذي كرس اختيارات‬                                                ‫أكثر إصرا ًرا على الاختيار والانتقاء‪.‬‬
  ‫وانتقاءات أم كلثوم لغنائها منت ًجا النص الأغنية‪،‬‬                                   ‫‪ -‬أم كلثوم كانت بالنسبة للجمهور الصوت‬
                                                                                    ‫وصداه‪ ،‬الشيء وظله‪ ،‬فهي بالنسبة للأزواج‬
                  ‫ومفار ًقا بينها وبين النص الأم‬                              ‫محاولة لتزيين الماضي وتجميله‪ ،‬وبالنسبة للعاشق‬

                                                                                                                                                    ‫الهوامش‪:‬‬

                                                                              ‫* أستاذ البلاغة والنقد كلية الآداب‪ ،‬جامعة كفر الشيخ‪.‬‬
                                  ‫‪ -1‬ينظر‪ :‬عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص)‪ ،‬عبد الحق بلعابد‪( ،‬ص‪.)51 :44‬‬
‫‪ -2‬نالت لفظة “اللون” أهمية في المؤلفات التراثية‪ ،‬وكان لها أثر واضح في مصنفات اللغة والأدب‪ ،‬منها على سبيل المثال‬
  ‫الألوا ِن واختلا ِفها”‪،‬‬  ‫أ(تس‪:‬ماء‪ 4‬ا‪2‬لأ‪2‬لهو)انوتوأضومنصاف“بهاا ُ”ب‪،‬‬  ‫سلام البغدادي‬       ‫لا الحصر‪ :‬كتاب (الغريب المنصف) لأبي ُعبيد بن‬
‫و(اللطائف والظرائف)‬                                                    ‫بعنوان‪“ :‬مطلب‬       ‫و(الأمالي = النوادر) للقالي (ت‪356 :‬ه)‪ :‬به فصل‬
‫الثالث‬  ‫الباب‬  ‫وض َّمن‬  ‫العربية)‬  ‫وسر‬   ‫اللغة‬  ‫(فقه‬  ‫كتاب‬  ‫بـ”باب مدح السواد”‪ ،‬وله‬                       ‫للثعالبي (ت‪429 :‬ه)؛ حيث أفرد عنوا ًنا‬
                                                            ‫تسعة وعشرون فص ًل”‪.‬‬                          ‫عشر‪“ :‬في ضروب الألوان والآثار وفيه‬
                                                                                                 ‫‪ -3‬ينظر‪https://www.nawa3em.com :‬‬
                                                                                                                  ‫‪ -4‬أم كلثوم‪ -‬الشعر والغناء‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫البردة”‪،‬‬       ‫“نهج‬  ‫قصيدة‪:‬‬    ‫شوقي‪،‬‬    ‫أحمد‬   ‫ديوان‬       ‫ال ُح ُر ِم‪،‬‬  ‫ال َأش ُه ِر‬  ‫في‬  ‫َدمي‬  ‫َسف َك‬  ‫َأ َح َّل‬  ‫َوال َع َل ِم‬  ‫البا ِن‬  ‫َبي َن‬  ‫‪ -5‬ري ٌم َعلى القا ِع‬
                                                                                                                                                        ‫(ج‪.)201 /1‬‬
               ‫“وقد غنت أم كلثوم تسعة نصوص من عيون شعره‪ .‬ينظر‪ :‬أم كلثوم‪ -‬الشعر والغناء‪ ،‬ص‪.188 ،187‬‬
                                                                                                 ‫‪ -6‬ينظر‪ :‬أم كلثوم‪ -‬الشعر والغناء‪ ،‬ص‪.277‬‬
                                  ‫‪ -7‬ديوان أحمد شوقي‪ ،‬قصيدة “أيها النيل”‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪( .1988 .‬ج‪.)354 /2‬‬
                                                                                                 ‫األمق كصليثدوةم‪-:‬ياال ُف َشؤاع ِدريوا َرلغِحن َامءا‪،‬ل ّ ُل اصل َ‪0‬ه َو‪29‬ى‪...‬‬  ‫ينظر‪:‬‬  ‫‪-8‬‬
‫دار‬     ‫(ص‪،)132‬‬         ‫ناجي‪،‬‬  ‫إبراهيم‬  ‫ديوان‬  ‫َف َه َوى‪.‬‬  ‫َخ َيا ٍل‬   ‫ِم ْن‬  ‫َص ْر ًحا‬  ‫َكا َن‬                                                                               ‫مطلع‬   ‫‪-9‬‬
                                                                                                                                   ‫العودة‪ ،‬بيروت‪.1980 ،‬‬
                                                                                                 ‫‪ -10‬ينظر‪ :‬أم كلثوم‪ -‬الشعر والغناء‪ ،‬ص‪.239‬‬
                                                                             ‫‪ -11‬ينظر‪ :‬اللغة واللون‪ ،‬ص‪.189‬‬
‫‪ -12‬مطلع القصيدة‪َ :‬و َق َف ال َخل ُق َين ُظرو َن َجميعا َكي َف َأبني َقوا ِع َد ال َمج ِد َوحدي‪ ،‬ديوان حافظ إبراهيم‪ ،‬قصيدة‪“ :‬مصر‬

  ‫تتحدث عن نفسها”‪ ،‬ضبط وتصحيح‪ :‬أحمد أمين‪ ،‬أحمد الزين‪ ،‬إبراهيم الإبياري‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬ط‪،3‬‬
                                                                                                                                                    ‫‪ ،1987‬ص‪.403‬‬
                                                             ‫‪ -13‬ينظر‪ :‬أم كلثوم‪ -‬الشعر والغناء‪ ،‬ص‪.284 ،283‬‬
        ‫‪َ -14‬سلوا َقلبي َغدا َة َسلا َوتابا َل َع َّل َعلى ال َجما ِل َل ُه ِعتابا‪ ،‬ديوان أحمد شوقي‪ ،‬قصيدة‪ :‬ذكرى المولد‪( ،‬ج‪.)58 /1‬‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56