Page 49 - merit 54
P. 49
47 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
محمد عبد الوهاب محمود عوض أعرابيًّا”( .)60وقد أكدت “أم كلثوم” على أثرها في
إحياء الشعر فقالت“ :أعتقد أن أهم ما ُيكتب عني
الجمهور ،و َّظفت صوتها لنشر المحبة والسلام، بعد موتي ،أنني نقلت الجمهور من الإسفاف الذي
وبناء مجتمع كيانه التآلف ،ونبذ العصبية .فقد كان يعيشه إلى مستوى “إ َّن حالي في هواها عجب»،
كانت ثروة قومية ،ورم ًزا من رموز الوحدة العربية و»الص ُّب تفضحه عيونه» ،و «رباعيات الخيَّام»(.)61
يشهد تاريخها بذلك .ومن ث َّم فإن الشعر ترتفع ظلت هذه الأشعار ضائعة في حنايا الكتب ،غائبة في
منزلته بالغناء شريطة ظروف المنظومة التواصلية بطون المكتبات إلى أن ألبستها أم كلثوم ثوب الحياة.
(المتكلم /المغني ،المتلقي /الجمهور ،الاستجابة
للظروف الاجتماعية والوجدانية) كل ذلك يحكمه وأم كلثوم –كما هو معروف -كانت تمتلك من
ويؤطره المعرفة الثقافية والرؤية الأدبية لدى المغني الأدوات ما يجعلها تتبوأ تلك المكانة ،لاسيما حفظها
أو المتكلم بصفة عامة. للقرآن الكريم ،وتلاوتها للأناشيد والموشحات
الدينية .والشعر دليل الحكمة وعنوانها ،وفى حديث
المحور الرابع: أَُ َوب ََّيسلَّ ْبَم َن َقاَك َ ْلعٍ :ب«،إِ َأَّن ْخ َِمب ََرن ُها:ل َأ ِّ َّشن ْع َِرر ُسِحوْك ََلم ًةا»ل(َّ2لَِّ .َ )6ولصمااللع ُهر َع َلضْي ِهت
المؤلف وشرعية الملكية الفكرية
ليلى بنت النضر بن الحارث بن كلدة للنبي صلى
يع ُّد اسم المؤلف من أهم العتبات المشكلة لتداولية الله عليه وسلم ،وهو يطوف بالبيت ،واستوقفته
الخطاب؛ وتصدير الكتاب باسم الكاتب من العناصر
وجذبت رداءه حتى انكشف منكبه ،وأنشدته
المناصية المهمة؛ حيث تثبت هوية المؤلف لصاحبه، شعرها بعد مقتل أبيها ،قال رسول الله“ :لو كنت
وتحقق ملكيته الأدبية والفكرية من جهة ،ومن جهة
سمعت شعرها هذا ما قتلته!”(.)63
أخرى فهى تحاور أفق انتظار المتلقي ،فتجذبه إلى والغناء إحياء للشعر مع مراعاة قواعد التلقي ،وقد
استكناه المضمون واستطلاعه .وقد جعله «عبد
الحق بلعابد» من العتبات الرئيسة التى تجعله ف َّعلت ذلك «أم كلثوم» من خلال رؤيتها النقدية
للأبيات الشعرية ،وتعديل ما يجب حتى يتسنى
«خطا ًبا مواز ًيا للنص الرئيس ،يحركه فى ذلك فعل للجمهور بصفة عامة التفاعل معها ،فالنص لا يقدم
لفئة المثقفين وحدهم ،وإنما يراعي الزمان والمكان
والطبقة الاجتماعية والظرف الثقافي .وقد رفع فن
الغناء الشعر ،وهو ما يؤكده المؤلف في قوله« :ولأن
الغناء ف ٌّن جماهيري ،فقد سبق الشعر في الوصول
إلى الجماهير ،ونزل إليهم منص َتا وملبيًا ،ومترج ًما
هذا الإنصات فنًّا راقيًا وغنا ًء يثري الوجدان ،كما
يثري العقل ،واعتلى المغني منصة التتويج ،وتهافت
عليه الشعراء ،ونهضت الموسيقى من مجرد
السلطنة والتطريب إلى نوع من التعبير الجمالي
عن الشعور العام للمجتمع ومواكبة تغيراته»(.)64
وهنا نستدل بكلام “أحمد رامي” عن “أم كلثوم”:
“كانت صوت حنان تشعر فيه بالصدى ..كان
صوتها قاد ًما من قلبها وليس من الحنجرة ..كانت
تغني لنفسها قبل أن تغني للناس ..لقد كانت تبكي
وتبتلع دموعها ..كانت راهبة في محراب الفن..
تغني كأنها تصلي”( .)65قدمت “أم كلثوم” فنًّا
بلا ابتذال ،زادت الشعر رفعة ،وسمت بأخلاق