Page 44 - merit 54
P. 44

‫على الأولى‪( :‬الشعر والغناء) إيقا ًعا‬           ‫شوقي الذي كتب المقطوعة المكونة‬
 ‫وتفصي ًل بعد إجمال‪ ،‬فكأننا أمام‬               ‫من تسعة أبيات لأم كلثوم خصي ًصا قد‬
‫منظومة توشيعية أضفى تناسقها‬
 ‫وتلاحمها حركي ًة وتجد ًدا أضفت‬
   ‫على الدال الأول (أم كلثوم) نو ًعا‬           ‫ن َّص على الاسم قص ًدا (يا أم كلثوم َأ َّيا ُم‬
‫من الإطلاقية غير المقيدة بزمن‪ ،‬وما‬                ‫اَل ْه َوى َذ َه َب ْت) ويدلل البحث على أ َّن‬

  ‫يطلقه الفكر حول هذه الشخصية‬

    ‫وما تثيره من عجائب‪ .‬وسمته‬                  ‫اختيار‪َ ( :‬جاَر َة اَْل ْي ِك) له موقعه السياقي‬
   ‫بـ(التجدد‪ ،‬خاصة البدء بالشعر‬                    ‫الوارد فيه؛ إذ إ َّن البيت السابق على‬
‫الذي يتلوه أيقونة الغناء)‪ ،‬والعلاقة‬

‫الجدلية بينهما التي تنم على أن الفن‬            ‫هذا البيت المنصوص عليه ببيتين جاء‬
‫«موهب ٌة وعقل وذكاء ويقظة وتأمل‬                  ‫فيه‪َ ( :‬ح ِد ْيُث َها ال ِّس ْحُر ‪َ +‬ح َما َم ُة اَْل ْي ِك‬
 ‫ونظام»(‪ .)24‬وهو ما يؤكده المؤلف‬
   ‫قائ ًل‪ :‬إ َّن ال َلبنة الأولى والثانية في‬
‫بنيان أم كلثوم إذن َلبن ٌة لغوي ٌة‪ ،‬و َلبن ٌة‬             ‫‪َ +‬يا َجاَر َة اَْل ْي ِك)‪ ،‬ويكون هذا الاختيار‬
                                                          ‫محق ًقا الرمزية الجامعة بين تعطيل‬
  ‫جمالية‪ ،‬كانتا الأساس الذي ارتفع‬

‫عليه هذا البنيان‪ ،‬وازدهر‪ ،‬وآتى أكله‬                       ‫حاسة الرؤية‪..‬‬
 ‫على امتداد أكثر من نصف قرن من‬

‫الزمن‪ .‬لم تنقطع أم كلثوم يو ًما عن‬
‫البحث عن الجديد من الكلمات‪ ،‬ولا‬

‫الأنغام‪ ،‬ولا صياغة المواقف الفكرية‬
  ‫والقومية‪ ،‬والعربية المُعبرة عن وظيفة الفن‪ ،‬أو‬
‫المُعبرة عن وعي الفنان ‪-‬إذا كان مث َّق ًفا‪ -‬برسالته‬       ‫خلفيته اللون الرمادي‪.‬‬

‫الاجتماعية والأدبية نحو وطنه‪ ،‬ونحو عروبته”(‪.)25‬‬                       ‫المحور الثاني‪:‬‬
    ‫وإذا كان للعنوان وظيف ُة الإغواء أو الإغراء فقد‬       ‫سيمولوجيا العنوان والتماسك النصي‬
     ‫نجح المؤل ُف في إثار ِة انفعا ِل المتلقي من خلال‬
 ‫انفتاح ال ِّدلالة على تأويلا ٍت متعدد ٍة يثيرها العنوان‬
  ‫بتعريف الدالين (أم كلثوم‪ /‬الشعر والغناء) باد ًئا‬           ‫كل إنتا ٍج أدبي ُيقيم في تصور كل متل ٍق صور ًة‬
 ‫بالشعر الأصل مرد ًفا إياه بأيقونة إحيائه‪ ،‬فالغنا ُء‬      ‫ِدلالي ًة جامع ًة بين العنوان والمضمون‪ .‬ويعد عنوان‬
‫هو العنص ُر الرئيس في بعثه من حنايا الكتب‪ .‬فكأنه‬
‫أصبح متلاز ًما لشخصيتها‪َ ،‬ف َق ْص ُر الدال الثاني على‬      ‫أم كلثوم فع ًل تمهيد ًّيا يقدم رؤي ًة قرائي ًة بوصفه‬
  ‫الأول جعل الحس النقدي والشع َر الكلثومي الذي‬                ‫منطل ًقا معرفيًّا‪ ،‬بحثًا عن مكنون النص بتأويل‬
‫اختارته عن قصدية محصو ًرا فيها لا في غيرها‪ ،‬بل‬                ‫أنظمته‪ ،‬ومعرفة تراكيبه‪ ،‬بقراءة تأويلية تدعم‬
  ‫جعل الدال الثاني له السطوة وقوة الحضور على‬
                                                          ‫التعددية وتمج الثبوتية‪ .‬وتلعب الوظيفة التسموية‬
   ‫الدال الأول‪ ،‬فأم كلثوم هي ذاتها الشع ُر والغناء‪.‬‬
  ‫ثم أجاب العنوان عن سؤال رئيس‪ :‬ما علاقة تلك‬              ‫دو ًرا مه ًّما؛ حيث يختزن العنوان المقتبس مدلولات‬
                                                          ‫تعددية لفهم النص‪ ،‬ويضيف إسها ًما فكر ًّيا لضبط‬

                                                             ‫تلاحم النص وإظها ِر تناسقه‪ ،‬ويتكون العنوان‪:‬‬

‫(أم كلثوم الشعر والغناء) من دالين يشكلان جملة الشخصية بالشعر والغناء؟ وإذا بالإجابة تنبع من‬
‫اسمية‪ ،‬وحيث إن الاسمية دالة على الثبات‪ ،‬فقد بعث التركيب ال ِّدلالي (أم كلثوم عي ُن الشعر والغناء)‪،‬‬
‫أو (أم كلثوم تؤلف الشعر والغناء)‪ ،‬أو (أم كلثوم‬            ‫الدال الثاني المكون من مفردتين؛ الثانية معطوفة‬
   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49