Page 42 - merit 54
P. 42

‫العـدد ‪54‬‬                                ‫‪40‬‬

                                                       ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

   ‫كلثوم لقصائدها الغنائية كما في قصيدة‪“ :‬مصر‬          ‫إلى نص‪ .‬فالنص الغنائي إعادة إنتاج للنص الشعري‬
   ‫تتحدث عن نفسها”(‪ )12‬حين أنشدتها عام ‪،1951‬‬
 ‫متضمنة سبعة عشر بيتًا؛ لترسخ في الأذهان عبر‬                       ‫في ظل ظروف مقامية(‪.)6‬‬
‫غنائها أن مصر جوه ٌر ثاب ٌت ع ْبر التاريخ‪ ،‬تمر عليه‬
   ‫الأعراض والحوادث‪ ،‬ولا يتغير‪ ،‬ولا يزول‪ .‬وهي‬          ‫وإذا كان اللون له دلالات الأصالة والانتماء‬
  ‫بجوهرها البلد القادر على ابتلاع المختلف والقوي‬
  ‫والغازي وامتصاصه‪ ،‬وإعادة إنتاجه على منوالها‪،‬‬         ‫والمحافظة على التقاليد والشعور بالدفء والراحة‬
    ‫وهي البلد الذي بعث التاريخ‪ ،‬فكانت بدايته على‬
   ‫أرضها وهي التي استوعبت كل َم ْن عاشوا فيها‪،‬‬         ‫فإن اختيار القصيدة الأغنية‪ /‬النيل ‪ 1949‬جاء عن‬
‫وصبغتهم بصبغتها‪ ،‬فصاروا مصريين مع اختلاف‬
                                                       ‫قصدية تحقي ًقا لتلك الدلالات والمفهومات مجتمعة‬
     ‫أديانهم ولغاتهم‪ ،‬وهي موئل الرسل‪ ،‬ومقصد‬
   ‫الخائفين‪ ،‬وموضع عناية الله على مر الدهور(‪.)13‬‬       ‫من جهة‪ ،‬وتجسي ًدا لهذي العواطف والانفعالات من‬
    ‫كما نرى سيمولوجيا التأثير تظهر في المشاركة‬         ‫جهة أخرى‪ ،‬ويظهر ذلك من مطلع القصيدة‪:‬‬
‫الفعالة في اختيار المؤلف الفترة الزمنية لإنتاج نص‬                      ‫ِمن َأ ِّي َعه ٍد في ال ُقرى َت َت َد َّف ُق‬
 ‫بعينه‪ ،‬فقد عمد «شوقي» إلى إنتاج قصيدة‪« :‬سلوا‬                         ‫َو ِب َأ ِّي َك ٍّف في ال َمدا ِئ ِن ُتغ ِد ُق(‪)7‬‬
                                                       ‫وبراعة الاستهلال تدعو للتساؤل‪ :‬هل يقتصر‬
      ‫قلبي»(‪ )14‬بعد الحرب العالمية الأولى‪ ،‬وفي حال‬
 ‫النهوض القومي للشعب المصري‪ ،‬وتقبَّلها المتل ُّقون‬         ‫السؤال على كون النيل ظاهرة جغرافية تك َّونت‬
 ‫بوصفها قصيدة مدح في رسول الله صلى الله عليه‬           ‫بفعل عوامل طبيعية‪ ،‬أو يخرج على خلاف مقتضاه؟‬
  ‫وسلم بمناسبة عيد مولده الشريف‪ .‬وق َّدمتها «أم‬
                                                       ‫لكن الإجابة كسرت التوقع المنتظر‪ ،‬فالنيل كيا ٌن‬
    ‫كلثوم» في وعائها الاجتماعي بعد انقشاع غبار‬         ‫متص ٌل بحياة المصريين منذ ال ِقدم‪ ،‬ينبئ‬  ‫اجتماع ٌّي؛‬
  ‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬واشتداد مقاومة المصريين‬      ‫وخلودها‪ ،‬يترجم الا ِّطراد التاريخي الذي‬  ‫عن مصر‬

   ‫للاحتلال‪ ،‬وتعلُّقهم برموزهم التاريخية الوطنية‬       ‫مرت به‪ ،‬يعلن شوقي عن هذا الكيان الأسطوري‬
                                    ‫والدينية(‪.)15‬‬
                                                                   ‫في كونه غير معلوم المصدر‪ ،‬ومردو ًدا إلى‬
     ‫وإذا كان اللون الرمادي يمتلك تأثي ًرا ثابتًا على‬  ‫الميتافيزيقا(‪ ،)8‬تشاركه أم كلثوم الأمر‪ ،‬وتعيد إنتاج‬
‫الألوان الأخرى التي يمكنها أن تتوافق معها‪ ،‬بحيث‬
 ‫يمكنها تخفيض شدة قوة ولمعان الألوان‪ ،‬وبالتالي‬                     ‫النص بغنائها الخالد على مر الزمان‪.‬‬

                                                       ‫وقصيدة الأطلال(‪ ،)9‬حين غنَّتها أم كلثوم ‪،1966‬‬

                                                       ‫أطلق عليها «رباعيات الأطلال» لسببين‪ ،‬الأ َّول‪ :‬أ ّن‬
                                                       ‫(حديث الرباعيات) كان على أشده بين المستمعين‬

                                                       ‫منذ غنت أم كلثوم رباعيات الخيام‪ ،‬وازدادت حدته‬

                                                       ‫بعد أن غنت أم كلثوم الأطلال‪ ،‬والآخر‪ :‬أن قصيدة‬

                                                       ‫الأطلال جاءت على هيئة مقاطع شعرية؛ كل مقط ٍع‬
                                                                      ‫من أربعة أبيات‪َ ،‬فح َد َث التوه ُم‬
                                                                   ‫الذي أدى إلى إطلاق الرباعيات على‬

                                                                   ‫الأطلال‪ ،‬خاصة بعد أن تدخلت أم‬

                                                                   ‫كلثوم برؤيتها النقدية في اختيار‬

                                                                   ‫المقاطع‪ ،‬التي غنتها تحت اسم‬

                                                                   ‫الأطلال‪ ،‬وتحت اسم «رباعيات‬
                                                                   ‫الأطلال» عند النقاد وال ُكتَّاب‪ ،‬ورجال‬

                                                                   ‫الصحافة(‪.)10‬‬

                                                                   ‫أما اللون الرمادى فهو لون محايد‪،‬‬

                                                                   ‫كونه لا أبي َض ولا أسود‪ ،‬بل‬

                                                                   ‫إنه ناتج عن دمجهما م ًعا‪ ،‬وهو‬
                                                                   ‫لون يحمل الإيجابية والمشاركة‬

                                                                   ‫الفاعلة(‪ .)11‬ونرى ذلك في اختيار أم‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47