Page 48 - merit 54
P. 48

‫العـدد ‪54‬‬   ‫‪46‬‬

                                                             ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

         ‫ثم عاشت في ظنوني وهي وهم وخيال(‪)53‬‬                      ‫الأغنية‪( :‬رجعوني عينيك)‪ ،‬بد ًل من‪( :‬شوقوني‬
  ‫وقد عمد الدكتور «أحمد يوسف» إلى عمل إحصاء‬                     ‫عينيك)‪ ،‬واستغرق الغناء ما يقرب من الساعتين‪،‬‬
‫يثبت فيه النص‪ /‬الأم‪ ،‬والنص‪ /‬الغنائي(‪ ،)54‬يوضح‬                   ‫واختلف حول تسمية العمل‪( :‬لقاء السحاب)‪ ،‬أو‬
  ‫فيه الأبيات التى ت َّم تعديلها‪ ،‬بالحذف‪ ،‬أو الزيادة‪،‬‬         ‫المقالات التي انسالت تحت مسمى‪( :‬لقاء الملايين)‪،‬‬
  ‫أو التقديم والتأخير‪ .‬هذا يدلل على أن «أم كلثوم»‬            ‫(الأغنية التي تعطل المرور في شبرا ساعتين أمس)‪،‬‬
  ‫نشرت بفنها الذوق الرفيع في اللغة من جهة‪ ،‬وأن‬
  ‫شخصيتها تمتد إلى الكلمات التي تتلوها من جهة‬                          ‫(دمشق تلغي النشرة وتذيع الأغنية)(‪.)48‬‬
                                                                    ‫أما «مأمون الشناوي» فقد قال‪ :‬كتب ُت أغنية‪:‬‬
   ‫أخرى‪ .‬فأصبحت الأغنية عندها صدى لصوتها‪،‬‬                           ‫«أنساك»‪ ،‬وغيرت أم كلثوم بعض الكلمات‪..‬‬
   ‫ووصدى لإدراكها‪ .‬إنها كانت تمارس عم ًل نقد ًّيا‬                  ‫ووافقتها على التغييرات‪ ،‬وكانت تغير ما تريد‬
   ‫يستند إلى أسلوبية الانزياح‪ ،‬وما يلائم الجمهور‬               ‫باقتناع تام‪ ..‬قالت «أم كلثوم» لي‪ :‬إذا كان المطرب‬
 ‫وما لا يلائمه وهو ما أنتج النص الكلثومي المفارق‬                ‫مقتن ًعا بما يؤديه‪ ..‬فثق وتأكد أنه سينجح‪ ..‬وإذا‬
                                                                 ‫لم يكن لديه اقتنا ٌع بما يقول‪ ،‬فتأكد من فشله‪..‬‬
                                  ‫للقصيدة الأم‪.‬‬                 ‫والسبب في عدم غنائها لي كثي ًرا‪ ،‬كثرة التغييرات‬
                                                                  ‫التي كانت تطلبها‪ ،‬وعدم موافقتي على ذلك(‪.)49‬‬
            ‫المحور الثالث‪:‬‬                                    ‫يدلل على ذلك رفضه إعطائها أغنية “أول همسة”‪،‬‬
 ‫المغزى التداولي والمؤشر التجنيسي‬                            ‫وأعطى إياها لفريد الأطرش ر ًّدا على تلك التعديدلات‬
                                                                ‫التي طلبتها‪« :‬هل من المعقول أن يطلب واحد من‬
     ‫المؤشر التجنيسي عتبة تخبر عن الجنس الذي‬                       ‫ر َّسام وهو يشاهد معرض صوره‪ ،‬أن يصغر‬
      ‫ينتمي العمل الأدبي إليه (شعر‪ ،‬قصة‪ ،‬رواية‪،‬‬              ‫الأنف‪ ،‬ويرفع الحواجب‪ ،‬إلى غير ذلك؟ نفس الشيء‬
      ‫مسرحية)؛ لهذا يعطى نظا ًما رسميًّا يعبر عن‬               ‫في الأغنية‪ ..‬عاجبا ِك خديها على كدة»‪ ،‬وكان ردها‪:‬‬
 ‫قصدية المؤلف فى نسبة النص إليه بوصفه موج ًها‬                ‫«أنت مش فاهم حاجة خالص‪ ..‬بكرة تفهمنى‪ ..‬بكرة‬
‫قرائيًّا لهذا العمل‪ ،‬وإخبا ًرا وإعلا ًما عنه‪ ،‬وقد رسمت‬          ‫تندم»‪ ،‬وبعد فترة قصيرة كتب لها‪« :‬أنساك‪ ،‬كل‬
    ‫لفظة (موسيقى) المحددة جنس العمل (الشعر‪/‬‬                   ‫ليلة‪ ،‬بعيد عنك‪ ،‬ودارت الأيام»(‪ .)50‬ومرجع ذلك ما‬
 ‫الغناء) بـ(البرتقالي)‪ ،‬وما يحمله من امتلاء البهجة‬               ‫تتمتع به أم كلثوم من خصال أحبها إلى النفس؛‬
                                                             ‫رخامة الصوت‪ ،‬وصفاء اللفظ وعذوبته‪ ،‬والإحساس‬
       ‫والمحبة والحيوية وإعلاء الذات‪ .‬هنا يتداخل‬               ‫العميق‪ ،‬وحسن الإلقاء‪ ،‬وتفردها بانتقائها للشعر‬
   ‫ويتمازج (الموسيقى= الشعر‪ +‬الغناء)‪ ،‬و”ال ِّش ْع َر‬
   ‫ِدي َوا ُن ا ْل َع َر ِب”(‪ )55‬والشعر رؤيا‪ ،‬قال «أدونيس»‪:‬‬                       ‫سواء القديم منه أو الحديث‪.‬‬
 ‫لعل خير ما نعرف به الشعر الجديد هو رؤيا»(‪.)56‬‬                     ‫وقد تكلم «أحمد رامي» عن عناية «أم كلثوم»‬
                                                                  ‫بالتعديلات والانزياحات‪ ،‬على سبيل المثال نراه‬
     ‫وقد احتلت البنية التفصيلية في العنوان اقتران‬            ‫يقول‪« :‬في أغنية «دليلي احتار»(‪ ،)51‬طلبت «أم كلثوم»‬
 ‫الشعر بالغناء تارة‪ ،‬والمبحث الأول من الكتاب تارة‬               ‫تكرار جزء من المطلع يقول‪« :‬وبين قربك وخوفي‬
 ‫أخرى‪ ،‬معلنًا المؤلف عن ارتباطهما منذ القدم قائ ًل‪:‬‬             ‫عليك‪ ..‬دليل احتار‪ ..‬وحيرني»‪ ،‬وفي أغنية «قصة‬
 ‫«ارتبط الشعر بالغناء منذ القدم؛ في تاريخنا الأدبي‬               ‫حب»(‪ )52‬كنت قد كتبت‪« :‬عشت فيها بيقيني ثم‬
                                                                ‫عاشت في ظنوني»‪ .‬لكن «أم كلثوم» قالت إن هذا‬
  ‫وفي تاريخ الآداب عند الأمم الأخرى مثل اليونان‬              ‫البيت فيه فجوة‪ .‬ويستحسن أن أوضح كيف عشت‬
 ‫والرومان‪ ،‬وغيرهما من الأمم في العالم القديم»(‪.)57‬‬            ‫في ذكرياتي بيقيني‪ ،‬ثم كيف عاشت هذه الذكريات‬
 ‫مبرهنًا بكلام “ابن رشيق”‪“ :‬الغناء حلة الشعر إن‬              ‫في ظنوني‪ ،‬لذا أعدت كتابة البيت فأصبح كما يعرفه‬
‫لم يلبسها طويت‪ ،‬ومحال أن يحرم الشعر من يحل‬
                                                                                                 ‫الناس الآن‪:‬‬
    ‫الغناء به”(‪ .)58‬وقد أفاض “الجاحظ” في شروط‬                            ‫عشت فيها بيقيني وهي قرب ووصال‬
‫جودة الشعر مبينًا المتلائم منه والمتنافر الذي خرج‬

   ‫عن جودة السبك والتحام أجزاء الكلام(‪ .)59‬وزاد‬
   ‫ذلك قائ ًل‪“ :‬من تمام آلة الشعر أن يكون الشاعر‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53