Page 152 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 152

‫العـدد ‪24‬‬                               ‫‪150‬‬

                                   ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬                         ‫التي تم جمعها ونشرها بعد‬
                                                                       ‫وفاته في أواخر خمسينيات‬
 ‫منذ قرن من الزمان‪ ،‬إنما هو‬           ‫الألماني أحيا ًنا يؤدي به إلى‬
 ‫الواقعية المأساوية التي جئت‬             ‫اللجوء إلى صيغ شائكة‬            ‫القرن العشرين‪ .‬أما الآن‪،‬‬
‫بذكرها‪ ،‬أي الواقعية الحديثة‪،‬‬                                           ‫فهناك كتاب خامس‪« :‬الزمن‬
                                     ‫ورنانة‪ ،‬والاستفاضة بعض‬
    ‫تلك الحياة المشتركة التي‬       ‫الشيء‪ .‬وقد استشف انجذاب‬               ‫والتاريخ والأدب»‪ ،‬والذي‬
‫تمنح فرصة الحياة لكل الناس‬                                              ‫قام بجمعه جيمس بورتر‪،‬‬
                                      ‫أورباخ هذا إلى «التحولات‬
          ‫على وجه الأرض»‪.‬‬          ‫الديناميكية‪ ،‬وكذلك الترسبات‬            ‫وترجمته جاين نيومان‪،‬‬
      ‫ولا شك أن حتى الناقد‬                                            ‫ويحتوي الكتاب على عشرين‬
    ‫العظيم له حظه من النقاد‪،‬‬          ‫الراسخة للتاريخ»‪ .‬واعتقد‬
  ‫فنجد عالم القرون الوسطى‬          ‫أن هذا ما يمثل جوهر انعزال‬           ‫مقا ًل‪ ،‬لم يظهر منها باللغة‬
 ‫البارز تشارلز موسكاتين قد‬                                             ‫الإنجليزية قب ًل سوى ثمان‬
   ‫وبخ أورباخ لقيامه بطمس‬                 ‫أورباخ المفترض‪ .‬فمن‬           ‫مقالات‪ .‬وكما يتوقع المرء‪،‬‬
    ‫«عشرات واقعيات القرون‬            ‫خلال تأثره العميق بالمثالية‬
    ‫أوسطية»‪ ،‬وتساءل ويليك‬              ‫الهيجلية‪ ،‬فقد كان أورباخ‬            ‫فهي تقدم استقصاءات‬
  ‫ما إذا كان مفهومه للواقعية‬        ‫يرى الحياة على وجه الأرض‬              ‫متعمقة عن دانتي وفيكو‬
  ‫متس ًقا تمام الاتساق‪ .‬وكان‬                                           ‫وهيردر‪ ،‬كما أن هناك أي ًضا‬
 ‫أورباخ يميل إلى الاستخفاف‬              ‫بأنها كشف متأ ٍّن‪ ،‬تعمل‬      ‫تأملات حول مونتاين («عندما‬
‫من الفكاهي‪ ،‬ومن ثم اختصر‬            ‫أحداث التاريخ من خلاله على‬         ‫يتمتع بالحياة‪ ،‬فإن مونتاين‬
‫كثي ًرا في تناوله لكل من ديكنز‬                                            ‫يتمتع بذاته»)‪ ،‬وباسكال‬
 ‫وثاكري‪ ،‬كما أنه أهمل الأدب‬           ‫إبطاء إيقاع التاريخ بشكل‬        ‫(«إن كراهية باسكال للطبيعة‬
    ‫الأمريكي تما ًما‪ ،‬باستثناء‬        ‫مستمر‪ .‬لذا‪ ،‬فإنه حتى مع‬          ‫الإنسانية تنبت عن توجهاته‬
      ‫إشارة مقتضبة للكاتب‬          ‫تغير العالم أمامنا‪ ،‬فإنه ينبغي‬      ‫الأوغسطينية الراديكالية»)‪،‬‬
   ‫بيرل س‪ .‬بوك‪ .‬إضافة إلى‬              ‫رؤيته بنظرة على الماضي‪،‬‬          ‫وروسو («وهو أول من لم‬
  ‫ذلك‪ ،‬فإن تصويره للواقعية‬           ‫فدون ذلك لا يمكن لمثل هذه‬           ‫يعد قاد ًرا على الإبقاء على‬
     ‫بأنها إعادة تصوير غير‬            ‫التغيرات أن تشارك في هذا‬            ‫مسيحيته‪ ،‬على الرغم من‬
     ‫مصقول ‪unvarnished‬‬                                                  ‫تكوينه المسيحي المتعمق»)‪.‬‬
       ‫‪ reënactment‬لرحلة‬                               ‫الإيقاع‪.‬‬
     ‫الإنسان على الأرض يعد‬           ‫وفي محاضرة ألقاها أورباخ‬                ‫إن أورباخ من أولئك‬
     ‫أم ًرا شديد التقييد‪ .‬وكما‬                                           ‫النقاد ممن تنمو أفكارهم‬
  ‫أوضح ايجلتون‪ ،‬فإن الحياة‬                 ‫في تركيا عن الواقعية‬          ‫بشكل عضوي فتنبت من‬
   ‫العادية لا تمثل واق ًعا أكثر‬        ‫الأوروبية‪ ،‬والتي ضمتها‬            ‫تربتهم السردية الخصبة‪،‬‬
   ‫واقعية عن حياة «القصور‬          ‫كونوك في كتابها‪ ،‬فإنه يتدخل‬        ‫ونتحسس هذا الأمر إذ نتتبع‬
    ‫والمنازل الريفية»‪ ،‬كما أن‬           ‫في عدم تسلسل ظاهري‪،‬‬             ‫استكشافاته للقرن السابع‬
  ‫«سندويتشات الخيار لا تعد‬          ‫فبعد ملاحظة أن فن الواقعية‬        ‫عشر («راسين والشغف» أو‬
‫وجود ًّيا أكثر ثبا ًتا عن الفطائر‬       ‫يميل إلى تصوير «الحياة‬        ‫‪ ،)La Cour et la Ville‬أو إذ‬
                                                                      ‫نقرأ نسخته لتاريخ الأسلوب‬
                  ‫والبقول»‪.‬‬              ‫التي يتشاركها» الناس‬            ‫المبسط في المواعظ ‪sermo‬‬
      ‫ومن المثير للفضول‪ ،‬أن‬         ‫جمي ًعا‪ ،‬يؤكد أورباخ أن «من‬         ‫‪ humilis‬لأوغسطين‪ ،‬وهي‬
   ‫أورباخ‪ ،‬باعتباره ناق ًدا بدا‬      ‫يفهمون هذا الأمر‪ ،‬لا ينبغي‬           ‫التعبير الأنسب عن واقع‬
‫منعز ًل في حياته اليومية‪ ،‬أراد‬
 ‫لنا أن ندرك أن هناك عنص ًرا‬          ‫أن يتعرضوا للصدمة إزاء‬                       ‫شغف المسيح‪.‬‬
                                     ‫الأحداث المأساوية التي تقع‬            ‫ومن الصحيح أي ًضا أن‬
                                   ‫اليوم»‪ .‬وكان يتحدث في فصل‬            ‫انغماسه في التراث الفقهي‬

                                       ‫شتاء عام ‪.1942 /1941‬‬
                                     ‫ويضيف أن «التاريخ يتجلى‬
                                     ‫من خلال الأحداث الكارثية‬
                                    ‫والتصادمات‪ ،‬وما يتم إعداده‬
                                   ‫اليوم‪ ،‬بل وما كان قيد الإعداد‬
   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157