Page 149 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 149

‫حول العالم ‪1 4 7‬‬

‫روبرت كورتيوس‬                   ‫إدوارد سعيد‬                       ‫أورباخ‪ ،‬فترى كادر كونوك‪،‬‬
                                                                 ‫من جامعة ميتشجان‪ ،‬وتسوق‬
   ‫في مجموعة مقالات بعنوان‬            ‫مستترة»‪ ،‬وهو ما ألهم‬
   ‫«مشاهد من مسرح الأدب‬         ‫أورباخ للتفكير في «المحاكاة»‪.‬‬       ‫الحجج في كتابها «المحاكاة‬
 ‫الأوروبي»)‪ ،‬أي أنه كان على‬     ‫وبعد مرور خمسة عشر عا ًما‪،‬‬          ‫شر ًقا غر ًبا»‪ ،‬أن إسطنبول‬
 ‫الأرجح ليؤلف عم ًل مشاب ًها‬                                        ‫كانت عام ‪ 1936‬بعيدة كل‬
   ‫لكتاب «المحاكاة» حتى وإن‬         ‫وجد إدوارد سعيد نفسه‬              ‫البعد عن انعزالها فكر ًّيا‪،‬‬
 ‫كان قد بقي في ألمانيا‪ ،‬أو كان‬     ‫أي ًضا في شبه منفى‪ ،‬ليعزز‬          ‫بل كانت زاخرة بمجتمع‬
 ‫انتقل برغبته إلى ستوكهولم‪،‬‬        ‫هذه النقطة‪ :‬فلم يكن كتاب‬
    ‫أو سبوكاين‪ .‬أما كونوك‪،‬‬      ‫«المحاكاة» مجرد «إعادة توكيد‬          ‫من الباحثين‪ ،‬ممن كانوا‬
 ‫فترفض هذا كله‪ ،‬وتصر على‬         ‫هائلة للتراث الثقافي الغربي‪،‬‬    ‫يمتلكون مكتبات خاصة غنية‪،‬‬
    ‫أن مدينة إسطنبول كانت‬       ‫وإنما كان عم ًل اتخذ من حالة‬     ‫بالإضافة إلى إمكانية الوصول‬
‫أشبه بموطن له مقارنة بمدينة‬        ‫غربة هامة نقد ًّيا قاعدة له‪،‬‬  ‫بسهولة إلى محال لبيع الكتب‬
‫برلين عام ‪ ،1942‬وأن أورباخ‬       ‫فكان عم ًل لا تستقي شروط‬
  ‫في الحقيقة «قد وجد لنفسه‬                                           ‫والمكتبات العامة في أرجاء‬
   ‫وطنًا إلى حد ما في منفاه»‪.‬‬        ‫وجوده وظروفها بشكل‬              ‫المدينة‪ .‬وكان لدى أورباخ‬
   ‫وهناك نقطة خلافية أخرى‬        ‫مباشر من الثقافة التي تعمل‬       ‫زملاء يتحدث إليهم‪ ،‬وزملاء‬
 ‫تتمركز حول دوافع أورباخ‪،‬‬        ‫على توصيفه بهذا الكم الهائل‬
  ‫فيعتقد هاكوهين‪ ،‬على سبيل‬        ‫من البصيرة والتألق‪ ،‬وإنما‬           ‫سابقين كانوا يراسلونه‬
   ‫المثال‪ ،‬أن أورباخ كان يكن‬     ‫اعتمد على تباعد فاجع عنها»‪.‬‬     ‫بمقالات بحثية في فترة ما قبل‬
  ‫شيئًا من الكراهية ليهوديته‪،‬‬   ‫ثم نجد أي ًضا الاحتمال البارز‪،‬‬    ‫الحرب‪ .‬وكما توضح كونوك‬
  ‫ويتساءل عن أسباب رفض‬
‫أورباخ لطلب مارتن بوبر بأن‬         ‫بأنه في ضوء طبع أورباخ‬             ‫في كتابها الهام‪ ،‬أنه كان‬
 ‫يكتب المقدمة للنسخة العبرية‬         ‫واهتماماته‪ ،‬بل والأفكار‬      ‫قاد ًرا أي ًضا على زيارة مكتبة‬
   ‫من كتاب «المحاكاة»‪ .‬وكان‬            ‫التي تناولها بالفعل في‬      ‫دير سان بيترو دي جالاتا‪،‬‬
  ‫أورباخ في منظور هاكوهين‬
                                   ‫عمله «دانتي‪ :‬شاعر العالم‬         ‫ومجموعة جاك‪-‬بول ماين‬
                                  ‫العلماني» وفي مقاله الطويل‬      ‫«لعلم الآباء اللاتيني»‪ ،‬والتي‬
                                  ‫«‪( »Figura‬والذي نشر عام‬
                                  ‫‪ 1938‬وتم جمعه بعد وفاته‬            ‫تتكون من مئات المجلدات‬
                                                                    ‫من تعليقات آباء الكنائس‪،‬‬
                                                                   ‫والتي كان لها دور بارز في‬
                                                                     ‫أعمال أورباخ‪ .‬أما العميد‬
                                                                   ‫الذي كان يقدم الكتب‪ ،‬فكان‬
                                                                    ‫فيما يبدو محبًّا للكتب وله‬
                                                                    ‫قرابة ستة عشر ألف مجلد‬
                                                                 ‫في جعبته‪ .‬لذا ترى كونوك أن‬
                                                                 ‫إسطنبول كانت المدينة العالمية‬
                                                                     ‫حيث «وجد أورباخ حركة‬
                                                                   ‫الإنسانوية‪ ..‬في ذات اللحظة‬
                                                                   ‫التي كان يتم فيها نفيها من‬

                                                                                    ‫أوروبا»‪.‬‬
                                                                        ‫إلا أن المنفى‪ ،‬في نهاية‬
                                                                    ‫المطاف‪ ،‬ليس مجرد أعدا ًدا‪،‬‬
                                                                   ‫وإنما يرتبط بالنزوح‪ ،‬فكان‬
                                                                   ‫المنفى بالنسبة لليفين «نعمة‬
   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154