Page 153 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 153
حول العالم 1 5 1
وكيف أن دانتي «لم يتوقف وقوانين اقتصادية -جميعها شخصيًّا طاغيًا كان طاب ًعا
قط عن الشعور بمرارة المنفى، مفيدة ومؤثرة فقط إن تم على عمله ،وأن تجارب حياته
الخاصة قد أدت بشكل مباشر
وحنينه لفلورنس ،وكراهيته تجديدها وإعادة تفعيلها من إلى «اختياره للمشكلات ونقاط
للحكام الجدد» .ويمثل خلال قوة جديدة لم تتراءى البدء واستنتاجاته ونواياه»،
التي نجدها في كتاباته .إلا أن
هذا ك ًّل من حقيقة حرفية لي بعد.
وتشبي ًها واض ًحا لأورباخ وهذه القوة الجديدة لم تبزغ من يحاول العثور على هذه
نفسه .ويضيف مقتب ًسا: التجارب ،سيواجه شيئًا من
«لتعرف الطعم المر /لخبز بعد ،ولم تم ّكن أورباخ من خيبة الأمل ،فعلى الرغم من
أن يجد السلوى في المستقبل. أن أورباخ يبدي أحيا ًنا عدا ًء
الآخرين /كما الملح». تجاه كاتب ما ،إلا أنه لم يكن
وفي واحد من أواخر مقالاته، فقد كان يهود ًّيا من خارج ما يعرف بالناقد المستعرض
اليهودية ،وكان ألمانيًّا تم عاطفيًّا .ولكنه كان يرى ،نظ ًرا
بعنوان «الفقه في الأدب إبعاده عن ألمانيا .كما أن لتقديره للموقف التاريخي
العالمي» ،يتأمل أورباخ فيما اهتمامه الأكاديمي الرئيس الذي تنبع منه الأعمال الأدبية،
يبدو وضعه الخاص ،كرجل -ألا وهو انسياب التاريخ عبر أنه ينبغي علينا اعتبار عمله
المسيحية -كان شاه ًدا أي ًضا بأنه عمل يكتبه شخص بعينه
محاصر بين المكان الذي على وضعه كمغترب ،سواء
ولد فيه والعمل الذي ولد باعتباره ناق ًدا أو يهود ًّيا. في زمن محدد.
للقيام به .فكتب قائ ًل« :لعل وحتى عندما كان يعتبر ألمانيا ولعله كان يخشى أن ينجم
الأمر الأهم والأكثر قيمة وطنًا له ،فإنه لم يشعر قط عن تحفظه ،وعن رسميته،
الذي يرثه عالم الفقه ،هو بأنه في موطنه .ففي خطاب
لغته وثقافته القومية ،إلا أن إلى والتر بنجامين في شهر وعن أسلوبه المتقعر ،أن
أثره هذا لا يتحقق سوى أكتوبر عام ،1935يشير يفترض القراء انعزا ًل عن
بفقدان هذا التراث أو التغلب أورباخ إلى غرابة وضعه في العالم من جانبه ،بل وغيا ًبا
عليه» .ثم يستشهد بعالم جامعة ماربورج ،حيث كان للتعاطف مع يهود أوروبا.
اللاهوت هيو سانت فيكتور «يعيش بين أناس ليسوا من فلا نجد الكثير من الألم أو
من القرن الثاني عشر« :إن أصولنا ،وتختلف ظروفهم الغضب في تقييمه للفاشية
الرجل الذي يجد وطنه حل ًوا، كلية عنا ،إلا أنهم يفكرون الذي كتبه عام :1938إن
لا يزال مبتد ًئا غ ًّضا ،أما تما ًما كما نفكر .وهذا أمر
من يجد العالم أجمع أر ًضا رائع ،لكنه يعني وجود إغراء التحدي هنا لا يتمثل في
غريبة فإنه مثالي» .ويتأمل لارتكاب حماقة .ويتمثل استيعاب كل هذا الشر
أورباخ مضي ًفا« :إن جمهور الإغراء في الوهم بوجود الذي يحدث وفهمه -فهذا
هيو المفترض كان يتكون من أساس يمكن البناء عليه». لا يستعصي كثي ًرا -وإنما
أولئك الأفراد الذين تركزت ومثل هذا الإدراك يعد في حد التحدي أن نجد نقطة انطلاق
غايتهم في تحرير أنفسهم من ذاته شك ًل من أشكال المنفى. لتلك القوى التاريخية التي
حب هذا العالم ،إلا أنه مسار ومن الصعب أن نحدد متى يمكن مجابهته بها ..إن
محمود أي ًضا لمن يرغب في بدأ المنفى في تحديد معالمه، السعي وراءها في داخلي،
تأمين حب ملائم تجاه هذا لكنه ،وبعد قرابة عشرين عا ًما وتتبعها في العالم الخارجي،
العالم» .ولكن ،من ذا الذي من صدور كتابه عن دانتي، أمر يستغرقني تما ًما .فقوى
يمكنه اكتساب مثل هذا الحب؟ فإنه يظل متأم ًل في طرد المقاومة القديمة -من كنائس
لم ينجح أورباخ في ذلك قط، الشاعر من مدينة فلورنس، ونظم ديمقراطية وتعليم
فالتاريخ لم يمهله