Page 158 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 158

‫العـدد ‪24‬‬                                                                     ‫‪156‬‬

                             ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬                                                             ‫د‪.‬ماهر‬
                                                                                                     ‫عبد المحسن‬
‫التعبير الخارج على المعايير‬    ‫كان‪ ،‬ومازال‪ ،‬وسيظل‬           ‫اللحظة الجنسية في الرواية العربية‪..‬‬
 ‫الأخلاقية‪ .‬ومن هنا تأتي‬                                         ‫عندما تتحول الكتابة إلى ممارسة شبقية‬
      ‫صيحة المبدعين التي‬         ‫الجنس مصد ًرا للجدل‬
   ‫تنادي بالنظر إلى العمل‬       ‫وإثارة الأسئلة‪ ،‬والبحث‬
 ‫الفني من زاويته الجمالية‬
  ‫لا الأخلاقية‪ ،‬وهي دعوة‬           ‫عن الأجوبة‪ ،‬لأنه‪ ،‬في‬
  ‫تستند إلى أساس نظري‬          ‫الأخير‪« ،‬يمثل إشكالية»‪.‬‬
        ‫يفصل بين الجمال‬        ‫إشكالية من نوع خاص‪،‬‬
                ‫والأخلاق‪.‬‬
‫ولكي نعالج قضية الجنس‬                 ‫لأنها تمس الواقع‬
    ‫في الإبداع عمو ًما‪ ،‬وفي‬    ‫والخيال في الوقت نفسه‪،‬‬
  ‫الرواية‪ ،‬موضوع مقالنا‪،‬‬        ‫ولأن الموروث الأخلاقي‬
   ‫بنحو خاص‪ ،‬فينبغي أن‬
      ‫نستدعي ملاحظتين‪:‬‬          ‫الاجتماعي والديني من‬
   ‫أو ًل‪ :‬أن ثمة ارتباط بين‬       ‫الوطأة بحيث نجح في‬
      ‫الجنس والجنسانية‪،‬‬            ‫السيطرة على الذهنية‬
      ‫بمعني أن الكلام عن‬         ‫العربية لسنوات طويلة‬
   ‫الجنس هو جنس أي ًضا‪.‬‬       ‫مضت لم يستطع الإنسان‬
    ‫فمن أهم السمات التي‬         ‫العربي أن يفلت منه إلا‬
‫تميز موضوع الجنس‪ ،‬هو‬             ‫في حدود ضيقة‪ ،‬كانت‬
‫أن ليس ثمة حدود فاصلة‬          ‫سببًا في استهجانه دينيًّا‬
   ‫بين الفكرة وتجسيدها‪،‬‬      ‫ولفظه اجتماعيًّا وملاحقته‬
 ‫بين الرغبة وتحققها‪ ،‬لأن‬
    ‫الغريزة تتحرك‪ ،‬في كل‬                       ‫قضائيًّا‪.‬‬
   ‫الأحوال‪ ،‬باتجاه وسائل‬            ‫وبالرغم من التطور‬
‫إشباعها‪ ،‬وهى‪ ،‬في الغالب‪،‬‬      ‫الكبير في وسائل الاتصال‬
  ‫وسائل مسكونة بعوامل‬        ‫والتواصل الاجتماعي الذي‬
   ‫الجذب والإثارة‪ ،‬خاصة‬           ‫أحدث طفرة في سياق‬
‫أن الجنس ُيدرك و ُيمارس‬      ‫قضايا الحرية والتعبير‪ ،‬إلا‬
‫بكل الحواس‪ ،‬لأنها جمي ًعا‬      ‫أن الوعي الجمعي‪ ،‬المثقل‬
     ‫تعاني نفس الاحتياج‬         ‫بتاريخ طويل من القهر‬
                               ‫والكبت لم يزل يحمل في‬
‫والتوتر والرغبة في التهدئة‬   ‫داخله نفس الخوف الحذر‬
      ‫والإشباع‪ .‬وعلى ذلك‬     ‫من اختراق «تابو» الجنس‪.‬‬
                                ‫وإذا انتقلنا إلى المستوي‬
  ‫فإن مشاهدة الجنس هي‬             ‫الإبداعي‪ ،‬فلن يختلف‬
 ‫شكل من أشكال ممارسة‬              ‫الأمر كثي ًرا‪ ،‬لأن ثقافة‬
                                ‫المنع والتحريم تظل هي‬
    ‫الجنس‪ ،‬لأنها نمط من‬         ‫المهيمنة‪ ،‬وهي في الغالب‬
      ‫أنماط الشعور باللذة‬        ‫ثقافة لا تعترف بمنطق‬
    ‫الحسية‪ ،‬وينطبق نفس‬           ‫الحرية في التعبير‪ ،‬ولا‬
  ‫الشيء على السمع‪ ،‬وعلى‬      ‫تستوعب مفهوم الضرورة‬
                                 ‫الفنية كأسباب لإضفاء‬
                                   ‫المشروعية الفنية على‬
   153   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163