Page 162 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 162

‫يعمل ناجي على تعرية‬      ‫والفلسفي‪ ،‬تم تجاوزه على‬             ‫‪160‬‬
    ‫المدينة‪ ،‬وفضح سكانها‬       ‫يدي كتّاب الألفية الثالثة‬
‫بالتركيز على عالمها السفلى‪،‬‬                                 ‫أجراه «كامل» على حياته‬
     ‫المطمور تحت السطح‪،‬‬      ‫في المضمار الجنسي‪ ،‬حيث‬            ‫كلها عن طريق السرد‬
   ‫وكأن المدينة كانت تحيا‬      ‫جاءت روايات هذا الجيل‬
   ‫تحت الأنقاض حتى من‬           ‫أكثر جرأة ومباشرة‪ ،‬ما‬      ‫الذاتي الذي يشكل عصب‬
     ‫قبل العاصفة الترابية‪.‬‬      ‫جعلها أكثر صدامية مع‬          ‫الرواية‪ ،‬وانتهت بلحظة‬

      ‫كان يمكن للرواية أن‬    ‫المجتمع‪ ،‬وإثارة للجدل بين‬    ‫كشف صوفية جعلته يعيد‬
‫تكون منافسة لكلاسيكيات‬                         ‫المثقفين‪.‬‬      ‫تقييم موقفه الوجودي‬
                                                                ‫ككل‪ ،‬ويضع يده على‬
    ‫القرن الماضي‪ ،‬لولا أن‬    ‫ولعل السبب في ذلك‪ ،‬نظ ًرا‬        ‫الطريق التي ينبغي أن‬
   ‫الكاتب اهتم أكثر بإبراز‬    ‫لتغير ظروف العصر‪ ،‬هو‬           ‫يسير فيها خلال حياته‬
‫البعد الغريزي للمدينة‪ ،‬ولم‬     ‫تراجع الاهتمام بالقضايا‬          ‫المقبلة‪ ،‬بعد أن هزمته‬
‫يول العناية الكافية للأبعاد‬
    ‫السياسية والاجتماعية‬             ‫الكبرى‪ ،‬والاهتمام‬      ‫الدنيا‪ ،‬وقهرته المصائب‪،‬‬
‫والفلسفية لفكرته المبتكرة‪.‬‬     ‫بتفاصيل الحياة اليومية‪،‬‬            ‫فيقول في السطور‬
   ‫فالحقيقة التي لا يمكننا‬      ‫وموقف الفرد‪ ،‬المواطن‪،‬‬
 ‫أن نغفلها أن الكاتب‪ ،‬الذي‬                                 ‫الأخيرة‪« :‬ينبغي قبل ذلك‬
                                 ‫المسحوق تحت عجلات‬           ‫أن أط ّهر جسمي ظاهره‬
     ‫يمثل جيل من الشباب‬          ‫الفقر والجهل والمرض‪،‬‬        ‫وباطنه‪ ،‬ثم أك ّرس قلبي‬
   ‫المحبط الذي تم إجهاض‬          ‫بحيث عجز عن تحقيق‬             ‫للسماء‪ .‬لقد ُخلقت في‬
                             ‫حاجياته اليومية الأساسية‬          ‫الواقع متصو ًفا ولكن‬
     ‫أحلامه‪ ،‬كان مسكو ًنا‬     ‫للعيش‪ ،‬فض ًل عن تحقيق‬           ‫أضلتني نوازع الحياة‪،‬‬
   ‫بالهاجس الجنسي أكثر‬       ‫أحلامه البعيدة وطموحاته‬
   ‫من القضايا الهامة التي‬                                  ‫وتصورت نفسي في طهر‬
  ‫طرحها في الرواية‪ .‬ندرك‬                        ‫الكبرى‪.‬‬      ‫عجيب‪ ،‬يستحم جسدي‬
    ‫ذلك من الوهلة الأولى‪،‬‬     ‫ولعل في رواية «استخدام‬            ‫بماء عطر‪ ،‬وتتسامي‬
   ‫وعلى مدار الرواية‪ ،‬ففي‬
    ‫الصفحات الأولي نقرأ‪:‬‬        ‫الحياة» لأحمد ناجي ما‬     ‫روحي في صفاء ونقاء‪ ،‬فلا‬
‫«حلمتا نهديها الصغيرتين‬          ‫يؤكد هذا المعنى‪ .‬وهي‬     ‫مشهد أرنو إليه إلا السماء‬
  ‫بارزتان من أسفل التي‪-‬‬         ‫الرواية التي صدر حكم‬       ‫ولا خاطر ينبثق في نفسي‬
    ‫شيرت وساقاها ذوات‬         ‫بحبس كاتبها لمدة سنتين‬
‫الصوت الهادئ مفتوحتان‬              ‫بسببها‪ ،‬بتهمة خدش‬        ‫الا الله» (السراب‪ ،‬مكتبة‬
                                  ‫الحياء العام‪ .‬فالرواية‬            ‫مصر‪ ،‬ص‪.)157‬‬
        ‫في مقابلتي‪ .‬رائحة‬        ‫تستند إلى فكرة خيالية‬
    ‫دهن عطري فواح تنبع‬         ‫تصل إلى حد الميتافيزيقا‪،‬‬     ‫اللحظة الجنسية‬
 ‫منهما» (استخدام الحياة‪،‬‬     ‫وهي تع ّرض مدينة القاهرة‬      ‫في روايات الألفية‬
‫منشورات مرسوم‪ ،‬مصر‪،‬‬             ‫لعواصف ترابية شديدة‬
                                  ‫تؤدي إلى ردم المباني‬           ‫الثالثة‬
           ‫‪ ،2014‬ص‪.)15‬‬         ‫وطمس معالمها‪ ،‬وتع ّرض‬
    ‫والإشكالية لا تكمن في‬      ‫أهلها للمرض ثم للموت‪،‬‬      ‫من المفارقات التي تستحق‬
   ‫تصوير مشاهد الجنس‪،‬‬             ‫ما يؤدي إلى استحالة‬        ‫الذكر أن نجيب محفوظ‬
     ‫ولكن في اللغة شديدة‬       ‫العيش فيها ومن ثم نقل‬
  ‫المباشرة التي يستخدمها‬     ‫العاصمة إلى مدينة جديدة‪.‬‬      ‫الذي ظل‪ ،‬لسنوات طوال‪،‬‬
                                ‫ومن خلال الفلاش باك‪،‬‬            ‫يشكل حاج ًزا إبداعيًّا‬
                                                                ‫يصعب تجاوزه أمام‬

                                                            ‫كتّاب الرواية المعاصرين‬
                                                              ‫على المستوي التاريخي‬
                                                             ‫والسياسي والاجتماعي‬
   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167