Page 159 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 159

‫‪157‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

        ‫الجنسية في الكتابة‬      ‫وفلسفية‪ ،‬أو تعبير عن‬     ‫الكلام‪ ،‬ومن ثم على القراءة‬
      ‫الروائية العربية عند‬       ‫قضية الجنس نفسها‪.‬‬                         ‫والكتابة‪.‬‬
    ‫الرواد‪ ،‬ممثلة في نجيب‬     ‫وفي الحالة الأولي لا يهتم‬
     ‫محفوظ‪ ،‬وفي الكتابات‬       ‫الكاتب بتفاصيل العلاقة‬      ‫ثانيًا‪ :‬معظم الذين عبّروا‬
‫المعاصرة‪ ،‬ممثلة في الكاتب‬        ‫الجنسية قدر اهتمامه‬           ‫عن التجربة الجنسية‬
 ‫الشاب أحمد ناجي‪ ،‬لنقف‬            ‫بالمعني والدلالة التي‬
    ‫على الكيفية التي تعامل‬   ‫تعكسها الواقعة الجنسية‪،‬‬        ‫في أعمالهم‪ ،‬ونجحوا في‬
    ‫بها الروائي العربي مع‬       ‫ويغلب هذا الاتجاه على‬        ‫اختراق «تابو» الجنس‪،‬‬
  ‫إشكالية الجنس‪ ،‬بوصفه‬         ‫أعمال الرواد مثل نجيب‬        ‫إنما فعلوا ذلك في سياق‬
      ‫«تابو» محرم‪ُ ،‬يمتنع‬     ‫محفوظ ويوسف إدريس‬           ‫التابوهين الآخرين‪ ،‬الدين‬
                                ‫وإحسان عبد القدوس‪،‬‬        ‫والسياسة‪ .‬بمعني أن كان‬
             ‫الاقتراب منه‪.‬‬                               ‫هناك ثمة نوع من التحايل‬
                                    ‫بينما تهيمن الحالة‬        ‫من قبل المبدع‪ ،‬قام به‬
‫اللحظة الجنسية في‬              ‫الأخرى على أعمال كتّاب‬         ‫من أجل تمرير أفكاره‬
‫الرواية الكلاسيكية‬           ‫الألفية الثالثة‪ ،‬من الشباب‬       ‫الصادمة‪ ،‬أو الممنوعة‪،‬‬
                                                           ‫من خلال الانتقال الناعم‬
      ‫ُيعتبر نجيب محفوظ‬           ‫بخاصة ومن كاتبات‬          ‫من «تابو» إلى آخر هر ًبا‬
  ‫من الكتّاب الأوائل الذين‬        ‫الحركة النسوية مثل‬         ‫من المسئولية‪ .‬وفي هذا‬
‫اهتموا في رواياتهم بقضايا‬    ‫أحلام مستغانمي وفضيلة‬         ‫السياق‪ ،‬نذكر كيف نجح‬
   ‫الرغبة وغريزة الجنس‪.‬‬       ‫الفاروق وسلوي النعيمي‬       ‫محفوظ في اختراق «تابو»‬
    ‫غير أن محفوظ لم يكن‬       ‫بنحو أخص‪ ،‬الذين برعوا‬      ‫السياسة عن طريق «تابو»‬
   ‫منشغ ًل بالجنس في حد‬         ‫في نقل تفاصيل الحياة‬          ‫الدين في رواية «أولاد‬
                              ‫الجنسية بنحو موظف في‬            ‫حارتنا»‪ ،‬وهي الرواية‬
    ‫ذاته‪ ،‬لأنه كان مهمو ًما‬  ‫بعض الأحيان ومجاني في‬         ‫التي ظل النقاد والش ّراح‬
       ‫بالقضايا ذات البعد‬    ‫معظم الأحيان‪ ،‬ما أدي إلى‬       ‫يقرؤونها دينيًّا‪ ،‬بالرغم‬
                             ‫إثارة الكثير من الجدل من‬        ‫من المضمون السياسي‬
    ‫السياسي والاجتماعي‬         ‫ناحية‪ ،‬وملاحقة الكتّاب‬         ‫الواضح‪ ،‬وهو ما أدي‬
     ‫والفلسفي بنحو أكثر‪.‬‬      ‫قضائيًّا من ناحية أخرى‪.‬‬        ‫إلى تكفير محفوظ‪ ،‬من‬
 ‫فقضية الحرية‪ ،‬على سبيل‬       ‫و ُيلاحظ أن الاتجاه الأول‬       ‫قبل الجماعات الدينية‬
  ‫المثال‪ ،‬لم تأت كبحث عن‬        ‫يعتمد على اللغة الأدبية‬      ‫المتطرفة ومحاولة قتله‬
   ‫حرية التعبير عن الرغبة‬        ‫الموحية بنحو أكثر‪ ،‬ما‬     ‫في التسعينيات من القرن‬
     ‫وطرق إشباعها‪ ،‬وإنما‬       ‫يرفع من المستوى الفني‬         ‫الماضي‪ ،‬وبدا في موقفه‬
      ‫أتت في سياق البحث‬      ‫للعمل‪ ،‬بينما يعتمد الاتجاه‬     ‫كمن يستجير بالرمضاء‬
   ‫عن حياة عادلة وكريمة‬      ‫الآخر على اللغة التسجيلية‬
   ‫للإنسان‪ .‬كما أن قضية‬           ‫المستمدة من مفردات‬                         ‫بالنار‪.‬‬
 ‫الخلاص‪ ،‬عند محفوظ‪ ،‬لا‬        ‫الجنس المباشرة‪ ،‬ما يفقد‬       ‫وبهذا المعنى‪ ،‬يمكننا أن‬
   ‫تعني التحلل من القيود‬       ‫العمل قدرته على تجاوز‬      ‫نقول إن اللحظة الجنسية‬
     ‫الاجتماعية الضاغطة‪،‬‬         ‫مستوى العالم الحسي‬
‫والقاهرة لرغبات الإنسان‪،‬‬                                       ‫في الرواية العربية لا‬
                                        ‫الذي يعبر عنه‪.‬‬          ‫تخرج عن واحد من‬
       ‫على نحو ما نرى في‬        ‫وفي هذا السياق سوف‬          ‫تجليين إبداعيين‪ :‬إما أن‬
   ‫الكتابات النسوية‪ ،‬وإنما‬      ‫نتناول حضور اللحظة‬          ‫تأتي كتعبير عن قضايا‬
    ‫تعني الترقي والصعود‬                                  ‫أخري سياسية واجتماعية‬
   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163   164