Page 161 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 161

‫‪159‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫إلى فقدان الثقة والأمان‬   ‫والتحدي‪ ،‬وأنني استسلم‬           ‫الظلام البهيم وساءل‬
     ‫برحيل الأم والزوجة‬           ‫في رحابها كاش ًفا عن‬         ‫نفسه‪ ..‬أين النشوة‬

‫الخائنة‪ ،‬عندما يكتشف في‬     ‫ضعفي بقوة وعنف‪ .‬وأنني‬            ‫الحقيقية؟» (الشحاذ‪،‬‬
 ‫لحظة ضياع ميتافيزيقية‬       ‫أجري كمطارد أو مجنون‬          ‫مكتبة مصر‪ ،‬ص‪.)109‬‬
 ‫أنه إنما كان يعيش طوال‬      ‫فاقد الوعي والحذر»(قلب‬
                                    ‫الليل‪ ،‬مكتبة مصر‪،‬‬         ‫والشيء نفسه يمكن‬
      ‫الوقت في حياة أشبه‬                      ‫ص‪.)82‬‬          ‫أن ُيقال عن شخصية‬
   ‫بالسراب‪ .‬فالجنس عند‬       ‫ولا تأتي اللحظة الجنسية‬
   ‫«كامل» كان يمثل اللذة‪،‬‬      ‫كمحطة في طريق البحث‬              ‫«مروانة» في «قلب‬
  ‫والخطيئة‪ ،‬وإثبات الذات‪،‬‬       ‫عن اليقين‪ ،‬وإنما تأتى‪،‬‬     ‫الليل»‪ ،‬التي مثلت البعد‬
                               ‫أي ًضا‪ ،‬كمحطة في طريق‬       ‫الغريزي‪ ،‬كمرحلة أولى‬
      ‫والشعور بالذنب في‬           ‫الضياع‪ ،‬حيث يضيع‬       ‫في تطور شخصية وحياة‬
    ‫آن‪ .‬لقد تطرق محفوظ‬            ‫الهدف ويغيب المعني‬
‫لموضوعات جنسية عديدة‬          ‫عندما يفقد سعيد مهران‬           ‫جعفر الراوي‪ ،‬الذي‬
     ‫في الرواية مثل العادة‬   ‫في «اللص والكلاب» الثقة‬         ‫يرمز للإنسان بعامة‬
‫السرية‪ ،‬والعجز الجنسي‪،‬‬          ‫في كل شيء‪ ،‬الإنسان‪،‬‬        ‫وتطور حياته من الدين‬
‫كما أنه حرص على التمييز‬      ‫المجتمع‪ ،‬الدين‪ ،‬عدا «نور»‬     ‫إلى الغريزة إلى الفن إلى‬
    ‫بين الحب والجنس في‬             ‫العاهرة التي تغمره‬       ‫المعرفة‪ .‬وعن اللحظات‬
  ‫رسمة لشخصية «كامل»‬          ‫بالحب وتحميه من نفسه‬
  ‫الرومانسية الحالمة‪ ،‬وهو‬      ‫ومن كلاب السلطة التي‬            ‫الغريزية يصف لنا‬
  ‫التمييز الذي تأسس على‬        ‫تطارده حتى الموت‪ .‬كما‬       ‫محفوظ كيف كان يفقد‬
 ‫حياته الجنسية الأولى مع‬     ‫تأتي كنوع من الهرب من‬
 ‫الخادمات‪ ،‬ما جعله يعجز‬          ‫المسئولية عندما يعجز‬          ‫جعفر السيطرة على‬
 ‫عن أداء العلاقة الحميمية‬      ‫المثقف عن تغيير الواقع‬      ‫مشاعره‪ ،‬ويترك نفسه‬
  ‫مع الزوجة‪ ،‬بينما ينجح‬         ‫المأزوم الذي يعيشه في‬      ‫مسلوب الإرادة لسطوة‬
 ‫مع العاهرات‪ .‬ولو مضت‬              ‫«ثرثرة فوق النيل»‪.‬‬     ‫الرغبة والأنوثة الطاغية‪،‬‬
  ‫الرواية في الطريق نفسه‬      ‫حتي الرواية التي‬               ‫فيقول‪« :‬ومنذ اللحظة‬
   ‫إلى النهاية لكانت رواية‬    ‫خصصها محفوظ‬               ‫الأولي شعرت بأنني حيال‬
    ‫جن ًسا بامتياز‪ ،‬غير أن‬      ‫لتناول موضوع‬                ‫أنثي قوية لا عمر لها‪،‬‬
‫المنعطف الحاد الذي حدث‬       ‫الجنس «السراب»‪،‬‬            ‫تتدفق منها الفتنة والسحر‬
   ‫في النهاية هو ما جعلها‬      ‫لم تكن في حقيقة‬
   ‫تتجاوز الأبعاد الحسية‬      ‫الأمر سوى رواية‬
 ‫والعاطفية وترغم القارئ‬       ‫رمزية‪ ،‬يأتي فيها‬
 ‫على إعادة قراءتها وإعادة‬    ‫الجنس كتعبير عن‬
   ‫ترتيب الأفكار على نحو‬     ‫حالة الشك وانعدام‬
‫مغاير لتصير رواية رمزية‬      ‫اليقين‪ ،‬التي يعاني‬
 ‫ذات أبعاد فلسفية كعهدنا‬     ‫منها الشاب الحالم‬
   ‫بروايات محفوظ التالية‬      ‫«كامل رؤبة لاظ»‪،‬‬

           ‫على «السراب»‪.‬‬    ‫وتؤدي به في النهاية‬
   ‫ويكفي أن الرواية بدأت‬
   ‫بتحليل نفسي فرويدي‬
   156   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166