Page 148 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 148

‫العـدد ‪24‬‬                               ‫‪146‬‬

                                 ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬                       ‫وأسرته وأصدقائه من حوله‪،‬‬
                                                                        ‫بدا أورباخ وكأنه حاسد‬
 ‫الرحيل عن جامعة ماربورج‪،‬‬         ‫وباعتباره محار ًبا قدي ًما‪ ،‬فقد‬
‫عمل أورباخ على التفاوض من‬           ‫كان أورباخ يتمتع بالإعفاء‬       ‫للشاعر‪ ،‬الذي بدأ بالكوميديا‬
‫أجل إذن رسمي يتيح إمكانية‬                                           ‫بعد نفيه من مدينة فلورنس‪.‬‬
‫العودة عقب عام ‪ ،1941‬ففكرة‬        ‫من التجنيد‪ ،‬ومثله مثل غيره‬       ‫ولاحظ أورباخ أن المنفى مكن‬
                                  ‫من اليهود من طبقة المهنيين‪،‬‬
 ‫أنه قد يستقر بشكل دائم في‬       ‫فقد ظل بعي ًدا عن الأضواء‪ ،‬بل‬         ‫دانتي من «تصحيح تنافر‬
‫مكان آخر لم تكن قد ترسخت‬         ‫إنه أقسم الولاء الإلزامي لهتلر‬      ‫الأقدار وتجاوزها‪ ،‬ليس من‬
                                                                     ‫خلال الزهد الرواقي‪ ،‬وإنما‬
               ‫في ذهنه بعد‪.‬‬            ‫في سبتمبر عام ‪.1934‬‬
   ‫أما في إسطنبول‪ ،‬فقد شعر‬         ‫كان أورباخ مثا ًل للكثير من‬          ‫من خلال رصد الأحداث‬
  ‫بالعزلة ولكنه لم يكن تع ًسا‪،‬‬                                      ‫التاريخية‪ ،‬واتقانها‪ ،‬وترتيبها‬
                                      ‫اليهود المندمجين في عهد‬
     ‫وكتب إلى والتر بنجامين‬       ‫جمهورية فايمار‪ ،‬ففي ضوء‬                 ‫في عقله»‪ .‬وبفضل هذا‬
   ‫في شهر مارس عام ‪1937‬‬            ‫وصفه الذاتي بأنه «بروسي‬          ‫الكتاب‪ ،‬تم تعيين أورباخ عام‬
    ‫قائ ًل‪« :‬أنا بخير هنا‪ ،‬وقد‬     ‫ذو عقيدة فسيفسائية»‪ ،‬فقد‬
   ‫تغلبت ماري وكليمينز على‬                                             ‫‪ 1929‬أستا ًذا لفقه اللغات‬
                                      ‫وهب ابنه اس ًما مسيحيًّا‬     ‫الرومانسية بجامعة ماربورج‪،‬‬
      ‫الإنفلونزا‪ ..‬المنزل الذي‬        ‫(كليمينز)‪ ،‬ولم يقدم على‬
   ‫يطل على مضيق البوسفور‬         ‫ختانه إلا لأسباب طبية عندما‬        ‫حيث تبوأ المنصب الذي كان‬
 ‫رائع‪ ،‬أما البحث العلمي‪ ،‬فإن‬      ‫بلغ الرابعة عشر‪ .‬فلم يندمج‬        ‫يحتله ساب ًقا شبيتزر‪ ،‬والذي‬
                                     ‫كل اليهود المندمجين بهذا‬
     ‫أعمالي بدائية تما ًما‪ ،‬وإن‬     ‫النحو‪ .‬لقد حارب من أجل‬             ‫كان انتقل الآن إلى جامعة‬
‫كانت على المستوى الشخصي‬               ‫بلده‪ ،‬وكان يتمنى البقاء‬                         ‫كولونيا‪.‬‬
 ‫والسياسي والإداري مشوقة‬           ‫فيه‪ ،‬إلا أنه مع إقرار قوانين‬
‫للغاية»‪ .‬ثم‪ ،‬وحيث كان يعيش‬         ‫نورمبرج عام ‪ ،1935‬أدرك‬               ‫وصل أورباخ إلى جامعة‬
‫في مكان ندرت فيه الكتب‪ ،‬قام‬       ‫أورباخ أن الحكم بمنفاه كان‬        ‫ماربورج بعد عام من رحيل‬
                                                                    ‫مارتن هايدايجر عنها‪ ،‬وكتب‬
     ‫بتأليف كتابه عن الكتب‪.‬‬                        ‫قد صدر‪.‬‬
‫ولم يتفق الجميع على أن كتاب‬       ‫ولحسن الحظ‪ ،‬فإن شبيتزر‪،‬‬              ‫لاح ًقا قائ ًل‪« :‬إنه شخص‬
‫أورباخ «المحاكاة» قد نبت مثل‬                                          ‫فظيع‪ ،‬لكنه على الأقل رجل‬
                                    ‫والذي كان قد قرر الهجرة‬        ‫مؤثر»‪ ،‬وكان غيره من أعضاء‬
  ‫أثينا إلهة الإغريق‪ ،‬من عقل‬        ‫إلى أمريكا‪ ،‬ضغط من أجل‬             ‫هيئة التدريس أي ًضا ذوي‬
                                      ‫ترشيح أورباخ خليفة له‬         ‫تأثير‪ ،‬منهم على سبيل المثال‪،‬‬
                                   ‫في جامعة إسطنبول‪ ،‬ووجد‬           ‫هانز جورج جادامر ‪Hans-‬‬
                                 ‫أورباخ نفسه مناف ًسا لباحثين‬         ‫‪ ،Georg Gadamer‬وعالم‬
                                     ‫آخرين‪ ،‬من بينهم فيكتور‬           ‫اللاهوت رودولف بولتمان‬
                                      ‫كليمبيرير‪ ،‬للحصول على‬         ‫‪ .Rudolf Bultmann‬وكانت‬
                                  ‫منصب كان ليسخر منه قبل‬              ‫حياة آل أورباخ سعيدة في‬
                                     ‫عام‪ .‬وفاز أورباخ‪ ،‬ليبقى‬           ‫ماربورج ‪-‬ويقول المؤرخ‬
                                     ‫كليمبيرير في ألمانيا‪ ،‬حيث‬
                                 ‫تمكن بصعوبة من البقاء حيًّا‪.‬‬             ‫الفكري مالاتشي هايم‬
                                    ‫(وقد أدت مذكراته «سوف‬             ‫هاكوين أنهما كانا يعتبران‬
                                 ‫أدلي بشهادتي» عند صدورها‬
                                 ‫عام ‪ 1998‬إلى ضجة في أرجاء‬                ‫هذه السنوات «العصر‬
                                  ‫أوروبا)‪ .‬وقبل أن يضطر إلى‬         ‫الذهبي»‪ -‬ولم يخطر لهما أن‬

                                                                      ‫يرحلا‪ ،‬على الرغم من منع‬
                                                                     ‫اليهود رسميًّا من الانضمام‬
                                                                   ‫إلى الخدمة المدنية عام ‪.1933‬‬
   143   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153