Page 143 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 143
حول العالم 1 4 1
إقامتي في ذلك المستشفى لقد تعودت صبيًّا صعب التربية؛ كنت
وخاصة الحركية من صغير العائلة وذكرها
دائ ًما أن أكون الوحيد طب ًعا .كان لأمي
حولي .تصورت أن الأطباء حذًرا؛ فالحكومة
والممرضين يهتمون بي كما الفرنسية وبعد صبر بلا حدود معي أكثر
لو أني المريض الوحيد هناك. مما مع أخواتي اللواتي لم
أن تنجز لصالحها يكن يشتكين إطلا ًقا ،ولكي
كان هذا أول إحساس لي
بمتعتي كطفل. حملة إعلامية كبرى تجعلني أضحك وأنسى
غضبي تعيد على مسامعي
حين بلغت سن الخامسة على حسابي؛ لن نفس الحكاية التي ما فتئت
انتقلنا للإقامة بأوفا .تعتبر ترددها ،والغريب أني مازلت
عائلتي هذه المدينة مسقط تجهد نفسها أحبها وكلما تذكرتها اليوم
الرأس الأول ،فيها أقمنا عند ابتسمت .هاهي تلك الحكاية:
عمي وفيها أي ًضا بدأت أعي لحمايتي وسوف قصد أخوان الغابة لقطع
جي ًدا المحيط الذي أعيش فيه. الأشجار أحدهما ودون أن
كنا نتقاسم مع عائلة عمي تسلمني للسلطات يقصد قطع رأس أخيه .حين
وعائلة أخرى غرفة من تسعة عاد هذا الأخير بجثة أخيه إلى
أمتار .لن تسعفني الكلمات الفرنسية .مقابل زوجته دون رأس قال لها:
لأصف الوقع النفسي الذي -ما ريا ..هل كانت لأخي
هذا اكتشفت أن
أحدثه لي ذلك في داخلي: رأس عندما كان حيًّا؟
ثلاث عائلات في تسعة أمتار هذين المفتش ْين، توقفت الأرملة عن كنس
كانا مهذب ْين معي؛ ردهة العزبة لتفكر ثم أجابت:
رغم أني لا أذكر أي لحظة -هل تعرف ،أنا لا أذكر إن
غضب أو استياء من أحد. لطيفين؛ شريفين كان لزوجي الطيب رأس لكن
إنها لمعجزة أن نعيش في تلك أعرف أنه قبل ذهابه معك إلى
الظروف الكابوسيه دون ج ًّدا الغابة أعددت له كراب وأثناء
بلوغ اللحظه التي يفقد فيها التهامه لها كانت لحيته تهتز!
الكل قدرتهم علي التحمل. شدة الألم والخوف؛ ورغم
ما ترسخ في ذاكرتي من ذلك ،فحادثة احتراق لم تكن كنت وأمي نعشق هذه
تلك الفترة هو الجوع .جوع الحكاية.
مزمن .جوع ممزق .أنا أذكر سيئة في ذاكرتي .لاشك،
تلك الستة أشهر اللامتناهي إن الحروق كانت بالغة بما ذات مساء؛ حدث شيء
بأوفا؛ بلا غذاء؛ أتذكر أمي غريب انجرت عنه تبعات غير
وهي تجر خطاها بصعوبة استوجب نقلي إلى أقرب
في الثلج لتجلب بعض البطاطا مستشفي في تشيليبانسكي. منتظرة .لأول مرة سهرت
ولكم أبهجتني فكرة انتقالي لوقت متأخر ألهو بدفاية
تغذينا لمدة أسبوع. من قريتنا إلى مدينة أخرى. المخيم المشتعلة ،وحدث أن
لعلها قد بلغت الأربعين في تشيليبانسكي اقتنت أمي جذبته فوقع فوقي يغمرني
من عمرها وقتها .صغيرة، الماء المغلي في الإناء فوقه؛
نحيفة ،ه َّشة .ير ِّدد الكثير لي أبقا ًرا من ورق وأقلام مما أحدث كارثة مضاعفة
من الناس أ َّنها كانت شديدة زينة لتلوينها. لأن البطاطا نصف مطبوخة
الجمال غير أني أتذ َّكر أ َّنها انسحقت على الأرضية .أتذكر
كانت دائ ًما حزينة ،لا أذكر كانت تلك أولى الأشياء التي أي ًضا صياحي القوي من
أمتلكها وأحبها ،وفي الواقع
أحببت كل شيء خلال