Page 138 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 138

‫العـدد ‪24‬‬                            ‫‪136‬‬

                                  ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬                            ‫أجابه أحد المفتشين‪:‬‬
                                                                     ‫“نحن في فرنسا والسيد‬
 ‫الطريق الذي كنت قد قطعته‬              ‫الاعتيادية؛ الاستفزازات‬    ‫نوريياف وضع نفسه تحت‬
      ‫منذ ساعتين في الاتجاه‬              ‫المتواصله؛ الإذلالات؛‬
        ‫المعاكس نحو المطار‪.‬‬                                                        ‫حمايتنا»‪.‬‬
                                      ‫الدسائس‪ ..‬هذا النوع من‬            ‫رد كلبمينوف مص ًّرا‪:‬‬
 ‫كان يكفي وقت قليل لينقلب‬             ‫الوجود الذي كنت أعرف‬        ‫“دعوني إ ًذا أتحدث إليه على‬
   ‫قدر حياتي؛ ولم أعد نفس‬          ‫جي ًدا أنه دفع بعض الفنانين‬
                  ‫الشخص‪.‬‬          ‫من أندادي إلى الانتحار بإلقاء‬            ‫انفراد في الغرفة»‪.‬‬
  ‫لقد ظفرت بالحرية ولو أن‬          ‫أنفسهم بالنهار دون خوض‬         ‫حاججه أحد المفتش ْين قائ ًل‪:‬‬
   ‫وضعي يدل بشكل ساخر‬                                            ‫“لا يرغب السيد نوريياف في‬
                                           ‫أي معركة بلا أمل‪.‬‬       ‫الحديث إلى أي أحد في هذه‬
 ‫على عكس ذلك تما ًما‪ .‬مازلت‬           ‫لكن؛ ما الذي سوف أعثر‬
      ‫محا ًطا بالشرطة‪ .‬لكنها‬         ‫عليه في الجهة الأخرى من‬                       ‫اللحظة»‪.‬‬
            ‫شرطة فرنسية‪.‬‬          ‫الحدود هنا في أوروبا‪ .‬سوف‬         ‫كان بإمكاني سماع زعيق‬
                                   ‫أجدني وحي ًدا؛ لكن بالطريقة‬
 ‫دشنت حياتي الجديدة عار ًيا‬        ‫التي ستلهمني؛ سوف تكون‬              ‫كليمينوف في الخارج‪:‬‬
 ‫تما ًما‪ ،‬كان اليوم الأول الذي‬        ‫عزلة مطلقة‪ .‬بدت لي هذه‬        ‫“لقد اوقفتموه؛ وهذا غير‬
                                   ‫الحرية الجديدة معتمة‪ .‬غير‬
     ‫جئت فيه إلى هذا العالم‪.‬‬      ‫أني أعرف أنها الخيار الوحيد‬                      ‫قانوني”‪.‬‬
      ‫كل أغراضي وحقائبي‬                ‫الممكن لأنه يمنحني أمل‬       ‫ثم عم صمت رهيب‪ .‬كنت‬
    ‫تم تحميلها إلى لندن‪ ،‬لقد‬      ‫تشييد شيء ما يشبهني؛ أمل‬         ‫وحدي آمنًا في تلك الغرفة؛‬
 ‫وضعت في تلك الحقائب كل‬           ‫التعلم؛ أمل مشاهدة كل شيء‬      ‫أربعة حيطان بيضاء وبابان؛‬
‫شيء عزيز عليَّ‪ :‬باقة جوارب‬           ‫من خلالي أنا فقط؛ أمل أن‬       ‫مخرجان كل واحد منهما‬
    ‫للرقص؛ دثارات مخصرة‬             ‫أكبر كما أرغب؛ كان مجرد‬      ‫يؤدي إلى حياة مختلفة‪ :‬وهو‬
   ‫اقتنيتها من أماكن متعددة‬          ‫وجود هذا الأمل كا ٍف لي‪.‬‬
  ‫عبر العالم ‪-‬لقد رقصت في‬          ‫أستحضر ذلك المثل الشعبي‬            ‫ما يعني بالنسبة لي أني‬
‫روسيا طب ًعا‪ ،‬في ألمانيا أي ًضا‪،‬‬                                 ‫عثرت على كرامتي ‪-‬الحق في‬
    ‫النمسا‪ ،‬بلغاريا‪ ،‬مصر‪،-‬‬                          ‫الروسي‪:‬‬       ‫الاختيار‪ .-‬الحق الذي أتمتع‬
  ‫يستحيل على تعويضها بعد‬           ‫“بإمكان شاي أن يحيا بأمل‬      ‫به فوق كل شيء وهو القرار‬
     ‫الآن‪ .‬تلك الباروكة التي‬
  ‫طلبت أن يتم صنعها لي في‬                             ‫واحد”‪.‬‬                         ‫الذاتي‪.‬‬
   ‫باريس لأداء دور البرشت‬                             ‫وقفت‪.‬‬         ‫طب ًعا؛ كنت فريسة صراع‬
      ‫في باليه جيزيل ضاعت‬               ‫دفعت الباب حيث كان‬         ‫داخلي شرس؛ فكرت فيمن‬
 ‫أي ًضا‪ .‬كانت باروكة شقراء؛‬       ‫المفتشان الفرنسيان جالس ْين‪.‬‬      ‫هم مقربين مني؛ أستاذي‬
   ‫مجعدة رومنطيقية أطلقت‬           ‫كانت حياتي الجديدة بالكاد‬      ‫بوشكين‪ ،‬أبي الثاني‪ .‬فكرت‬
‫عليها بشكل ساخر «ماريلين‬
   ‫مونرو»‪ .‬لكن فوق كل هذا‬                               ‫تبدأ‪.‬‬          ‫في الصبية تامارا التي‬
  ‫ندمت كثي ًرا على ضياع أول‬       ‫رحلت كلارا‪ .‬أعلمتها بالهاتف‬      ‫تعجبني وربما كنت أحبها؛‬
   ‫اقتناء لي من باريس‪ :‬قطار‬       ‫أن المفتش ْين سوف يرافقانني‬     ‫فكرت في كيروف أول فرقة‬
     ‫كهربائي رائع؛ دليل على‬       ‫إلى مركز الشرطة ومن هناك‬         ‫باليه في العالم بالنسبة لي‪..‬‬
  ‫شغفي الشديد منذ طفولتي‬                                         ‫فكرت في كل ما هو عزيز عليَّ‬
‫بالسكك الحديدية؛ بالقطارات؛‬           ‫سوف أعيد الاتصال بها‬         ‫وعمل على أن أكون من هو‬
   ‫والمحطات؛ المداخن؛ وعود‬         ‫لأحدد ماذا عليَّ أن أفعله من‬
                                  ‫بعد‪ ..‬واين سوف يمكنني أن‬                          ‫أنا الآن‪.‬‬
        ‫متجددة بآفاق مليئة‬                                          ‫شيئًا فشيئًا بدأت أشك في‬
                                                        ‫أقيم؟‬
                                   ‫بعد قليل وجدتني على نفس‬                  ‫مبررات قراري‪..‬‬
                                                                       ‫لكن كانت هناك الحياة‬
   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143