Page 140 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 140

‫غرابة أن يكون وضع عائلتنا‬     ‫الحديث؛ مخيف؛ كنت سنوات‬              ‫‪138‬‬
  ‫بهذا الشكل‪ .‬فبالنسبة لهما‬     ‫مراهقتي أخاف دائ ًما النظر‬
  ‫وهما اللذان يعيشان تحت‬                        ‫في عينيه‪.‬‬   ‫التي عادة ما تولد الإحساس‬
      ‫وطأة البؤس والخشية‬         ‫حين غادر أبي إلى الحرب؛‬    ‫بالاستقرار والثبات عند المرء؛‬
                                 ‫وجدت أمي نفسها وحدها‬       ‫كان عندي منذ الصغر انطباع‬
‫المتواصلة من المجاعة؛ اعتبرا‬      ‫في مواجهة أعباء تكاليف‬
  ‫الثورة معجزة‪ ،‬فلقد أصبح‬        ‫أربعة أبناء؛ كانت أمي من‬          ‫أني بلا هوية محددة‪.‬‬
 ‫من الممكن إرسال الأبناء إلى‬      ‫عائلة قروية‪ ،‬لا تمتلك أي‬    ‫أغلب الأطفال يعتمدون على‬
‫المدارس ولم لا إلى الجامعات‪،‬‬       ‫موهبة وهو ما جعل من‬        ‫ذاكرة آبائهم لإعادة تركيب‬
 ‫وهو حلم لم يكن أي قروى‬           ‫الصعب عليها العثور على‬    ‫حلقات حيواتهم وهم صغار‪.‬‬
                                                              ‫بإمكانهم الاعتماد على هذه‬
    ‫يتجرأ على مجرد التفكير‬    ‫عمل‪ ،‬مما جعلنا بدورنا فقراء‬
 ‫فيه قبل الثورة‪ .‬هكذا أصبح‬     ‫بشكل يرثي له‪ .‬قبل زواجها‬         ‫الحكايات المؤكدة‪ .‬وحين‬
                                ‫كان أبي وأمي يشتغلان في‬       ‫يستعيدون تلك المراحل بعد‬
    ‫الاثنان شيوعيين بشكل‬       ‫الحقول‪ ،‬ومنذ ‪ 1920‬انضما‬        ‫ذلك يستندون دائ ًما إلى هذا‬
                    ‫عفوي‪.‬‬                                     ‫التسلسل المنطقي‪ .‬بالنسبة‬
                                  ‫إلى الحزب الشيوعي؛ فلا‬       ‫لي؛ لم يحدث لي إطلا ًقا أي‬
     ‫وإلى حدود سنة ‪1946‬‬                                     ‫شيء من هذا القبيل‪ .‬لا أذكر‬
   ‫تواصلت حياة أمي كفا ًحا‬                                   ‫أني شاهدت أبي قبل بلوغي‬
                                                               ‫الثمان سنوات من عمري‪.‬‬
                                                              ‫كان لأمي حسابها الخاص‬

                                                                ‫من المشاكل الحيوية التي‬
                                                              ‫عليها أن تحلها وحدها؛ فلم‬

                                                               ‫تكن صور النمو هي التي‬
                                                                ‫احتفظت بها؛ بل بالعكس‬
                                                                ‫مشاهد معتمة‪ ،‬موجعة لا‬

                                                                       ‫تبارحني إطلا ًقا‪.‬‬
                                                                     ‫بعد ما أنهى مهامه‬
                                                             ‫بفلاديفوستوك؛ تم استدعاء‬
                                                              ‫أبي للالتحاق بموسكو على‬
                                                              ‫جناح السرعة حيث قضيت‬
                                                                ‫الثلاث سنوات الأولى من‬
                                                              ‫عمري‪ .‬اندلعت الحرب سنة‬
                                                               ‫‪ 1941‬وغادرنا أبي ملتح ًقا‬
                                                                  ‫بالجيش الأحمر جند ًّيا‬
                                                             ‫بسي ًطا‪ .‬وحين انتهت الحرب‬
                                                               ‫عاد تكسوه الأوسمة لانه‬
                                                             ‫كان جند ًّيا شجا ًعا ومقدا ًما‪.‬‬
                                                             ‫ومن وقتها لا أكاد أذكر منه‬
                                                               ‫سوى أنه شخص ضخم؛‬
                                                                ‫سلطوي؛ له ذقن سميكة‬
                                                              ‫وفك صلب؛ قليل الابتسامة‬
                                                                  ‫وله نفوذ غامض؛ قليل‬
   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144   145