Page 135 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 135

‫حول العالم ‪1 3 3‬‬

   ‫الفاتنة التشيلية ورجوتها‬         ‫ما إن وصلنا بورجيه؛‬        ‫لأوبرا كيروف بما يثيره من‬
 ‫أن تأتي لتوديعي في المطار؛‬         ‫تجاوزنا حرس الحدود‬           ‫الاضطراب الداخلي‪ ..‬كنت‬
‫برفقتها هي كنت قضيت ليلة‬             ‫وشرعنا في الاستعداد‬           ‫أفكر في كل أولئك الذين‬
‫البارحة في التسكع عبر أنهج‬     ‫لركوب الطائرة لما فجأة عاد‬        ‫التقيت بهم؛ تنوع وجهات‬
                                ‫بوغدانوف ودون أي مبرر‬           ‫نظرهم حول الحياة والجو‬
    ‫باريس؛ لقد افترقنا دون‬      ‫لاستعادة التذاكر منا‪ ،‬وهي‬       ‫الخاص الذي يشيعونه من‬
   ‫حزن يذكر ذلك أن فراقنا‬      ‫حركة بدت لي غامضة إن لم‬          ‫حولهم والذي وجدت متعة‬
   ‫لن يطول‪ ،‬فالمفروض أنها‬       ‫تكن صبيانية‪ .‬في غمرة كل‬          ‫كبيرة في مشاركتهم إياه‪..‬‬
‫ستستقل الطائره التي ستقلع‬       ‫ذلك انتابني إحساس أن ما‬
 ‫بعد طائرتنا نحو لندن‪ .‬كان‬     ‫يحدث له صلة بي وأن شيئًا‬        ‫كنت غار ًقا في ذكرياتي حين‬
   ‫هناك جمع من الصحفيين‬       ‫خطي ًرا يتم ترتيبه خفية‪ .‬ليس‬         ‫بغتة حدث شيء غريب‬
  ‫في انتظارنا أحدهم قد حرر‬        ‫ثمة مجال للشك أن سبب‬               ‫مفاجئ داخل الباص‪.‬‬
   ‫مقا ًل عمي ًقا حول عروض‬      ‫كل هذه التصرفات المعقدة؛‬
  ‫كيروف وحول أدائي الفني‬        ‫أنه أصبح بحوزتي تذكرتي‬          ‫من المهم أولا التوضيح أننا‬
                                 ‫الخاصة بي‪ .‬ولماذا كان لا‬      ‫لا نقوم بأي شيء من تلقاء‬
     ‫في الصحافة الفرنسية‪،‬‬       ‫بد من هذه التصرفات طالما‬
  ‫لكن للأسف لم أطلع عليه؛‬       ‫أني مسافر فع ًل مع الفرقة‬         ‫أنفسنا؛ فمن عاداتنا نحن‬
   ‫سوف أعرف فيما بعد أنه‬       ‫إلى لندن؟ كل هذا السيناريو‬      ‫الروس أنه حتى الأشخاص‬
 ‫قدم خصي ًصا من أجلي‪ ،‬كما‬        ‫السيئ كان من أجل إثبات‬
    ‫عرفت بعد ذلك بكثير أنه‬      ‫أن الأمور تسير على أحسن‬          ‫الذين يعملون ويتقاضون‬
  ‫أوقف دراجته الناريه قبالة‬                                       ‫مرتبات يتشاركون غرفة‬
 ‫باب المدخل الرئيسي للمطار‬                          ‫وجه‪.‬‬        ‫واحدة مع آخرين؛ فظروف‬
‫وترك محركها يشتغل كما لو‬         ‫وبطبيعة الحال أحدث هذا‬
 ‫أنه جاء لاختطافي بعدما كان‬   ‫التصرف تأثي ًرا سيئًا بداخلي‪.‬‬           ‫العيش مبرمجة وفق‬
  ‫شاه ًدا على ما سيحدث بعد‬       ‫وتأكدت بما لا يدع مجا ًل‬          ‫مخططات تفكير جمعي‪،‬‬
 ‫قليل بالتقليل‪ .‬وما إن شرع‬       ‫للشك أني لن أرافق الفرقة‬
‫أعضاء الفرقة في التوجه نحو‬         ‫إلى لندن‪ ،‬وأن هناك أم ًرا‬        ‫أكلات جماعية‪ ،‬أسفار‬
  ‫قاعة الإركاب وكنت بصدد‬          ‫خطي ًرا سوف يمنعني من‬          ‫جماعية‪ ،‬ليس هناك مجال‬
 ‫توديع أصدقائي الباريسيين‬                                       ‫لأي مبادرة فردية‪ ،‬لا يجب‬
 ‫تقدم مني سرغييف في البار‬               ‫ذلك‪ .‬لكن ما هو؟!‬       ‫على الفرد أن يقصد أي جهة‬
                                ‫قصدت البار لاحتساء آخر‬         ‫وحده؛ فالجميع مفروض في‬
        ‫يعلمني وهو يبتسم‪:‬‬                                       ‫أي مناسبة‪ ،‬عمال‪ ،‬فنانين‪،‬‬
  ‫“لن ترافقنا الآن يا رودي‪،‬‬       ‫كأس مع الأصدقاء الذين‬           ‫علماء أو مهما كان الآخر‬
                               ‫استدعيتهم للمطار في جلسة‬         ‫فهناك دائ ًما مسؤول يأخذ‬
    ‫ستلتحق بنا في لندن بعد‬                                       ‫كل شيء على عاتقه ويقف‬
                  ‫يومين”‪.‬‬        ‫توديع‪ ،‬ومن بينهم جورج‬
                                    ‫صوريا متعهد عروض‬               ‫حائ ًل بينك وبين العالم‪.‬‬
    ‫واصل حديثه قائ ًل وقد‬                                          ‫ففي تلك اللحظة؛ شرع‬
 ‫أحسست بقلبي يهتز بعنف‪:‬‬       ‫كيروف وراقص أوبرا باريس‬            ‫مديرنا فالنتين بوغدانوف‬
  ‫“لقد تلقينا منذ قليل برقية‬      ‫الذي قضيت رفقته أغلب‬        ‫وبشكل مفاجئ بتوزيع تذاكر‬
                                                              ‫فردية إلى لندن على كل واحد‬
      ‫من موسكو‪ ،‬من حسن‬        ‫أوقاتي وهو الذي أطلعني على‬         ‫من عناصر الفرقة‪ ،‬ورغم‬
   ‫حظك تم اختيارك للرقص‬        ‫الكثير من عوالم باريس‪ .‬كما‬      ‫أنني لم أستوعب المغزى من‬
   ‫في الكرملين‪ ،‬نفترق الآن‪،‬‬                                     ‫هذه الحركة الحركة لكن ما‬
‫نتركك لتستقل التبولاف نحو‬        ‫أني عقدت علاقات وطيدة‬           ‫لفت انتباهي أكثر أني أول‬
                                    ‫ج ًّدا مع الصديقة كلارا‬        ‫واحد استلمت تذكرتي‪.‬‬
   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140