Page 139 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 139

‫حول العالم ‪1 3 7‬‬

 ‫الشاقة؛ الطويلة عبر البراري‬       ‫المدفعية‪ .‬وهو ما ربط قدر‬                     ‫بالأعاجيب‪.‬‬
   ‫الكئيبة‪ ،‬المقفرة؛ كانت أمي‬      ‫عائلتنا بتنقلات هذا الفيلق‬
  ‫سعيدة‪ .‬سعيدة لأنها ولدت‬         ‫وذلك إلى أن انتهت الحرب‪.‬‬         ‫انطباعات الطفولة‬
    ‫أخي ًرا صبيًّا‪ .‬سوف تبوح‬       ‫روزا‪ ،‬روزيداوليدا‪ ،‬هذا ما‬
       ‫لي أمي بعد ذلك بوقت‬                                          ‫ارتجاج العجلات؛ صفير‬
    ‫طويل أن أبي كان يرغب‬             ‫يفسر تسميتي رودولف‬          ‫دوى القطارات ذات السرعة‬
                                     ‫(رودولف هاميتوفيتش‬           ‫القصوى؛ كل هذا عزيز على‬
 ‫بشدة أن يكون له ولد وأنها‬                                        ‫قلبي لسبب بسيط ج ًّدا غير‬
   ‫كانت تريد تلبية رغبته إلى‬           ‫نسبة إلى أبي هاميت)‬      ‫عجيب‪ :‬أني ولدت في أحضان‬
                                   ‫أخواتي الثلاث كن يرافقن‬
 ‫درجة أنها حين وضعت ليدا‬          ‫أمي في هذا القطار‪ ..‬واضح‬                     ‫قعقعة قطار‪.‬‬
  ‫‪-‬هي أي ًضا ولدتها في مكان‬         ‫ج ًّدا أن أبوي كانا يميلان‬   ‫فع ًل؛ ولدت في قطار يوم ‪17‬‬
‫مهجور‪ -‬كتبت تعلم أبي أنها‬          ‫إلى الأسماء ذات الجرسية‬       ‫مارس ‪ 1938‬رغم أن أيامي‬
                                                                  ‫الأولى ليست منطبعة بشكل‬
    ‫ولدت صبيًّا‪ ..‬كانت تريد‬           ‫الموسيقية العالية‪ .‬حين‬
  ‫أن تسعده ولم تكن تتصور‬           ‫ولدت كانت روزا قد بلغت‬          ‫جيد في ذهني‪ .‬كم أحب أن‬
 ‫‪-‬وهو الذي يشتغل في مكان‬                                          ‫أستعيد تلك اللحظات الأولى‬
 ‫بعيد ج ًّدا‪ -‬أن يعود بسرعة‪،‬‬        ‫العاشرة من عمرها؛ إنها‬
                                   ‫الأخت الكبرى‪ ،‬على رأسها‬               ‫لمجيئي لهذا الكون‪.‬‬
    ‫غير أنه ومن شدة فرحته‬         ‫روزيدا ثم ليديا أصغرهن‪.‬‬             ‫إنه لأمر مبهج؛ لراقص‬
  ‫عاد على جناح اليرعم ولكم‬        ‫لا أذكر كم عمرها وقتها إذ‬        ‫غنائي رومنطيقي مثلي أنا؛‬
    ‫كانت صدمته كبيرة حين‬        ‫كنت في وقت ما لا أهتم كثي ًرا‬       ‫أن يستعيد أول ظهور له‬
   ‫اكتشف الحقيقة‪ ،‬بل وظل‬            ‫بعمر الشخص‪ .‬ومن بين‬              ‫في الحياة‪ ،‬على أول ركح‬
‫لأيام عديدة مصدو ًما‪ ،‬متكد ًرا‬     ‫أخواتي الثلاث كانت روزا‬          ‫وهو بمثابة إعلان مسبق‬
  ‫بشكل فظيع لا ينبس ببنت‬           ‫أقربهن لي‪ ،‬فهي الأولى من‬         ‫لما سيكون عليه مستقبلي‪.‬‬
 ‫شفه‪ .‬حالما بلغنا إيركوتسك‪.‬‬        ‫بين الجميع الذي شجعني‬          ‫فولادتي تلك والشكل الذي‬
   ‫اندفعت روزا لتزف الخبر‬        ‫على حب الرقص‪ ،‬فبينما هي‬           ‫تمت فيه؛ هي ودون أدنى‬
‫لأبي عبر الهاتف‪ ،‬غير أن أمي‬        ‫تركض في الممر بين مقاعد‬      ‫شك الحدث الأكثر رومنطيقية‬
‫التي كانت تحيطني بذراعيها‪،‬‬       ‫المسافرين تناهى إلى سمعها‬
  ‫كانت مقتنعة أنه لن يصدق‬                                                        ‫في حياتي‪..‬‬
   ‫الخبر‪ ،‬بل ولن يهمه الأمر‬          ‫صراخي الأول وبسبب‬           ‫في اللحظة التي ينسرب فيها‬
                                ‫ذهولها الشديد جراء سماعها‬
                     ‫أص ًل‪.‬‬      ‫لتلك الصرخة القوية المنبعثة‬         ‫القطار على طول ضفاف‬
  ‫أحب أن أتذكر يوم مولدي؛‬                                             ‫بحيرة بايكال غير بعيد‬
                                     ‫من أخيها المولود الجديد‬       ‫عن إيركوتسك‪ .‬كانت أمي‬
    ‫ذلك أني أحس أن المراحل‬        ‫لم تنتبه لباب العربة يفتحه‬      ‫‪-‬رفقة أخواتي‪ -‬في طريقها‬
  ‫الحاسمه في حياتي تحددت‬          ‫أحد المسافرين وينغلق على‬          ‫للالتحاق بأبي في موقعه‬
 ‫هناك‪ .‬فولادتي بين مدينتين‬       ‫أصابعها الصغيرة‪ ،‬الرقيقة‪.‬‬         ‫بفلاديفوستوك‪ ،‬أبي الذي‬
   ‫على الطريق‪ ،‬لهو أمر مو ٍح‬     ‫هي اليوم تعيش في ليننغراد‬       ‫لن أعرفه فع ًل إلا عند نهاية‬
                                ‫ومن حين لآخر تظهر لي تلك‬          ‫الحرب‪ .‬في ذلك الوقت‪ ،‬كان‬
    ‫ورمزي‪ .‬لم يحدث لي منذ‬          ‫الندبة في أصابعها تذكرها‬      ‫أبي عسكر ًّيا تتمثل مهمته في‬
 ‫ولدت أن عبرت عن إحساس‬            ‫بيوم ميلادي أفضل من أي‬          ‫تعريف بقية الجنود بتاريخ‬
 ‫بالانتماء‪ ،‬فلا بلد لي‪ ،‬لا بيت‬                                       ‫روسيا؛ الثورة والحزب‬
                                            ‫روزنامة أخرى‪.‬‬         ‫الشيوعي‪ .‬يتبع فيلق سلاح‬
               ‫أدعي أنه لي‪.‬‬             ‫رغم آلامها؛ وحدتها‬
      ‫لم يحدث أن امتلكت في‬      ‫ووساوسها؛ رغم تلك السفرة‬
    ‫حياتي العلامات الطبيعية‬
   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144