Page 134 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 134

‫العـدد ‪24‬‬                        ‫‪132‬‬

                               ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬                   ‫النظيفة‪ ،‬تصفيف طاولات‬
                                                           ‫الرخام المستديرة الصغيرة‪،‬‬
 ‫اكتشف أعضاء الباليه أنحاء‬       ‫من المهم أولا التوضيح‬
   ‫من باريس‪ ،‬رغم أن المائة‬         ‫أننا لا نقوم بأي شيء‬       ‫يبسطون الستر المخططة‬
                                   ‫من تلقاء أنفسنا؛ فمن‬       ‫فوق الأرصفة‪ .‬ثمة أي ًضا‬
  ‫وعشرين راق ًصا لم يكونوا‬                                ‫شاحنة تنظيف خضراء تقوم‬
  ‫مجبرين على الالتزام بذلك‬       ‫عاداتنا نحن الروس أنه‬    ‫بجولتها الاعتيادية عبر الأزقة‬
    ‫لكنها العادة؛ عادة الناس‬       ‫حتى الأشخاص الذين‬       ‫تبلل الأنهج بماء بارد يتدفق‬
  ‫عندنا أن يقوموا بكل شيء‬             ‫يعملون ويتقاضون‬
  ‫بشكل جماعي وهو سلوك‬                                                   ‫من نوافيرها‪.‬‬
‫تواصل لعشرات السنين قبل‬          ‫مرتبات يتشاركون غرفة‬         ‫هي إ ًذا؛ بداية يوم صيفي‬
                               ‫واحدة مع آخرين؛ فظروف‬         ‫صاف وجميل في باريس‪.‬‬
                  ‫أن يتغير‪.‬‬                                  ‫لقد أحببت هذه المدينة لكن‬
 ‫لم يكن الوقت كا ٍف لأتناول‬         ‫العيش مبرمجة وفق‬       ‫فكرة أن أغادرها لا تحزنني‪.‬‬
                                ‫مخططات تفكير جمعي‪،‬‬        ‫على أثر شهر كامل من تقديم‬
     ‫فطور الصباح‪ .‬اندفعت‬                                    ‫عروض باليه في مسارحها‪،‬‬
 ‫بسرعة نحو الطابق العلوي‬            ‫أكلات جماعية‪ ،‬أسفار‬       ‫سوف نتجه صوب لندن‬
                               ‫جماعية‪ ،‬ليس هناك مجال‬         ‫لتقديم عروض أخرى لمدة‬
    ‫لإعداد حقائبي؛ لم تمض‬       ‫لأي مبادرة فردية‪ ،‬لا يجب‬    ‫خمسة عشر يو ًما نعود على‬
    ‫ساعة على ذلك وكان كل‬                                       ‫أثرها إلى روسيا‪ .‬مجرد‬
     ‫أعضاء الفريق على متن‬          ‫على الفرد أن يقصد أي‬   ‫تصور أني سارقص في لندن‬
     ‫الباص الأزرق الوفي في‬                    ‫جهة وحده‬     ‫تملؤني غبطة‪ .‬دائ ًما ما أضع‬
 ‫الطريق إلى المطار‪ .‬كما سبق‬                               ‫لندن أفضل من كل العواصم؛‬
‫وذكرت لم أكن حزينًا لمغادرة‬
   ‫باريس؛ كنت أستمتع بكل‬                                        ‫أفضل حتى من باريس‬
 ‫لحظة أخيرة فيها‪ ،‬وأستعيد‬                                     ‫هذا في ترتيبي الشخصي‬
    ‫كل تلك اللحظات المبهجة‬                                  ‫للعواصم‪ .‬قال لي أصدقائي‬
 ‫فيها؛ جمال بارك سان كلود‬                                   ‫الذين سبق لهم زيارتها كل‬
‫والذي أعجبني أكثر من بارك‬                                 ‫شيء عنها؛ هي مدينة عشاق‬
    ‫فيرساي؛ أفكر في اللوفر‬                                ‫الباليه وليس ثمة بهجة أروع‬
‫حيث كنت أقضي أغلب وقتي‬                                      ‫من أن ترقص قدام جمهور‬
‫عندما لا أكون ملتز ًما بالعمل‬
     ‫مع الفرقة أثر العروض‬                                           ‫ذواق من العشاق‪.‬‬
   ‫أو البروفات؛ أستعيد تلك‬                                  ‫حين بلغت النزل العصري؛‬
   ‫الأوقات التي كنت أتسكع‬                                 ‫وجدت الباص الأزرق متوق ًفا‬
 ‫خلالها في حي الطلبة بسان‬                                  ‫أمام الباب؛ الباص هو نفسه‬
   ‫ميشيل وشان جرمان دي‬
   ‫برى ثم أتناول العشاء مع‬                                      ‫الذي كان عناصر فرقة‬
 ‫بعض الأصدقاء الفرنسيين؛‬                                    ‫كيروف (با ستثنائي أنا في‬
  ‫وتلك الأنهج المقفرة‪ ،‬خلال‬                                  ‫غالب الوقت) تستعمله في‬
                                                            ‫تنقلاتها عبر أرجاء باريس‬
      ‫الليل وعند الفجر حين‬                                ‫منذ قدومنا إليها أواسط شهر‬
  ‫ينتابني إحساس أن المدينة‬                                   ‫ماي؛ وخلال تلك التنقلات‬

    ‫كلها ملكي‪ ،‬أوبرا باريس‬                                       ‫للبروفات أو العروض‬
 ‫أحمر وذهبي بعيد كل البعد‬

    ‫عن الجو الأزرق الفضي‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139