Page 141 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 141

‫حول العالم ‪1 3 9‬‬

   ‫قرون ظل جيش المحاربين‬            ‫بين ليننغراد وسيبيريا‪ .‬إثر‬       ‫شا ًّقا دون توقف من أجل أن‬
‫البشكيري قو ًّيا‪ ،‬مها ًبا؛ والآن‬      ‫قيام الثورة مباشرة قام‬           ‫نعيش‪ ،‬فالمبلغ الزهيد الذي‬

  ‫ها قد م ّر قرنان منذ انتهى‬      ‫النظام الجديد بإرسال الكثير‬        ‫يرسله لها أبي لا يكفي شيئًا‬
    ‫الأمر بالبشكير للخضوع‬           ‫من غير المرغوب فيهم إليها‬         ‫عدا أنه يجعلنا نعرف هو في‬
                                      ‫كشبه منفي‪ .‬كما تم نقل‬          ‫أي مكان‪ .‬طب ًعا؛ كانت حياتها‬
            ‫لسيطرة روسيا‪.‬‬                                             ‫في غياب زوجها وبلا موارد‬
      ‫في عزلة تامة عن العالم‬      ‫الكثير من الأثرياء وميسوري‬
     ‫وسط براري الأورال لم‬          ‫الحال من موسكو ولينيغراد‬                ‫جحي ًما شديد الفظاعة‪.‬‬
  ‫يفقد البشكيريون سلوكهم‬          ‫إليها بعد سنة ‪ 1917‬مباشرة‪،‬‬          ‫أيام قليلة على اندلاع الحرب‬
                                                                      ‫سقطت قنبلة على منزلنا مما‬
        ‫المتوحش‪ ،‬عصي على‬            ‫هؤلاء مازالوا يعيشون إلى‬
      ‫الترويض‪ .‬لقد كانوا في‬            ‫اليوم في البشكيري وفي‬           ‫اتارضكطيرنناكلملغاأدغرراة َمضنواسخكلوفنا‬
 ‫العصور الوسطى مهابين في‬                ‫عاصمتها مدينتنا أوفا‪.‬‬        ‫على أمل العودة قريبًا؛ وقادنا‬
     ‫كل آسيا إلى تحوم نيفا‪.‬‬             ‫لازلت أذكر تلك المدينة‬
 ‫لن يمكنني تفسير ماذا يعني‬              ‫الصغيرة في البشكيري‬               ‫هذا الإخلاء إلى جهة في‬
‫بالنسبة لي بالضبط أني تتري‬            ‫والمسماة تشيوشونا على‬          ‫روسيا حيث عائلتنا الأصلبة‪:‬‬
‫وليس روسيًّا؛ غير أني أحس‬                                            ‫البشكيري‪ :‬على منحدر جبال‬
 ‫بالفرق في لحمي‪ .‬فدمنا نحن‬          ‫ما أعتقد؛ كنا قد أقمنا فيها‬      ‫الأورال عند منتصف الطريق‬
    ‫التتار سريع التدفق وهو‬                           ‫سنتين‪.‬‬
    ‫مهيَّأٌ في أي لحظة للغليان‬
‫رغم إيماني أننا أكثر دفئًا من‬     ‫أقمنا في عزبة صغيرة صحبة‬
 ‫الروس وأشد حساسية؛ ث ّمة‬            ‫ثلاث عائلات أخرى‪ .‬أذكر‬
‫في داخلنا لطف أسيوي امتزج‬           ‫أي ًضا؛ رغم أنه من الصعب‬
 ‫بهيجان أجدادنا‪ .‬نحن مزيج‬            ‫تفسير ذلك أني رأيتني في‬
  ‫عجيب من الرقة والهمجية‪،‬‬
   ‫وهو تعاقد من النادر ج ًّدا‬      ‫زورق وسط بحيرة خضراء‬
    ‫العثور عليه عند الروس‪،‬‬              ‫أبكي وأصرخ من شدة‬
   ‫ولعل لهذا السبب اكتشفت‬             ‫الخوف‪ .‬أرى جي ًدا أي ًضا‬
     ‫قرابة شديدة بيني وبين‬
   ‫شخصيات دستويفسكي‪.‬‬               ‫الزوجين الروسيين المسنين‬
    ‫ينفعل التتار بسرعة وهم‬        ‫اللذين كانا يشاركاننا الغرفة؛‬
   ‫على استعداد دائم للعراك؛‬
      ‫متحفظون أكثر مما هم‬             ‫وحين أقول روسي أص ّر‬
‫ضا ُّجون وأحيا ًنا ماكرون كما‬         ‫على ذلك لأني لا أعتبر آل‬

                   ‫الثعالب‪.‬‬            ‫نوريياف رو ًسا بالمعنى‬
 ‫وفي الحقيقة التتاري حيوان‬         ‫الحقيقي للكلمة؛ فنحن تتار‪.‬‬

         ‫معقد‪ .‬وهذا هو أنا‪.‬‬            ‫لقد ُولد ْت أ ّمي في المدينة‬
   ‫لنعود الآن إلى تلك الغرفة‬       ‫القديمة الجميلة لقازان حين‬
   ‫حيث ننام جمي ًعا مع ذينك‬
‫الزوجين الروسيين القرويين‬              ‫ق ّرر فلاديمير الأول أن‬
   ‫المسنين‪ .‬كانا قد ناهزا من‬        ‫تكون المسيحية هي الديانة‬
                                  ‫الرسمية‪ .‬لكن عائلتنا لم تكن‬
                                     ‫مسيحية بل مسلمة‪ُ .‬ول ِـد‬
                                    ‫أبي في قرية قريبة من أوفا‬

                                      ‫عاصمة البشكيري‪ .‬نحن‬
                                    ‫إ ًذا تتار وبشكير من جهتي‬
                                  ‫الأب والأم‪ .‬لما يقارب السبعة‬
   136   137   138   139   140   141   142   143   144   145   146