Page 146 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 146
العـدد 24 144
ديسمبر ٢٠٢٠
ومتخصصة» .وترسخت كان تخصصه ألفريد روزنبرج آرثر كريستال
أسطورة الباحث الذي يفتقد الأساسي فقه اللغة،
ولكن ميوله تاريخية دون رجعة رؤية الإنسان
كتبه عام ،1968عندما للواقع.
نشر هاري ليفين مقا ًل عن فلسفية ،فرأى
حياة أورباخ وليو شبيتسر أن حس الكاتب وفي معالجته لرفض بطرس
بالواقع ،والذي يمثل للسيد المسيح في إنجيل
الأكاديمية ،وكان كلاهما في أعمق مستوياته
يهوديين من أهم علماء فقه تصوي ًرا للحياة مرقس ،يجد أورباخ شيئًا لم
اللغة ،ممن اضطرا إلى الرحيل اليومية بكل أوجه يسبق لأي من الشعراء أو
عن ألمانيا ،وانتهى بهما المطاف الجدية الخاصة بها،
هو ما يمثل حدود مؤرخي العصور القديمة أن
في الجامعات الأمريكية. الأدب .ومن ثم ظلت حاول تصويره :مولد حركة
وقد وضع شبيتسر ،الذي القريحة الكلاسيكية
ورمزية القرون روحانية في أعماق العامة،
سبق أورباخ إلى جامعة الوسطى قاصرة من واقع الأحداث اليومية
إسطنبول ،الأسس في روايته في هذا الشأن،
عن لقائه مع العميد ،والذي ولكن مع مرور الوقت ،عمل للحياة المعاصرة ،والتي
رد على سؤال عن فقر المكتبة التحول التدريجي في الفكر في اكتسبت أهمية ما كان لها
تطوره من التراجيديا الرفيعة أن تكتسبها في أدب العصور
الجامعية بقوله« :لا نأبه لدى الإغريق إلى الواقعية القديمة ..فمثل مشهد بطرس
كثي ًرا للكتب ،حيث إنه يسهل التراجيدية للرواية الحديثة لا يتناسب مع أي من الأنواع
حرقها» .وفي رأي ليفين ،فقد على تعريف الأدب الأوروبي. الأدبية للعصور القديمة ،فقد
كان هذا العجز هو ما اضطر وكان الأسلوب هو المؤشر كان من الجدية ما لا يناسب
أورباخ إلى كتابة «كتاب أكثر الأبرز الذي مكن موليير الكوميديا ،وكان معاص ًرا بما
أصالة عن أي كتاب كان قد من أن يكون واقعيًّا بقدر لا يناسب التراجيديا ،وكان
سعى إلى كتابته» ،وذلك ليقدم واقعية بالزاك ،على الرغم من سياسيًّا يفتقد الأهمية ليناسب
أن أسلوبه قد تلمس واق ًعا
«متح ًفا خياليًّا». التاريخ.
إلا أن كتاب «المحاكاة» كان مختل ًفا تما ًما. أما بالنسبة لأورباخ ،الذي
أما ما أضفى على كتاب
أكثر من مجرد متحف «المحاكاة» ثق ًل لأجيال من
خيالي ،كما لمح أورباخ القراء كان أكثر من مجرد
ذاته عندما سجل بعناية إبداعه التفسيري ،فعلى عكس
أن عملية التأليف تمت بين أعمال نقدية أخرى ،كانت
مايو 1942وأبريل ،1945 له قصة .فأثناء انعزاله في
بينما كانت سحب الدخان إسطنبول ،مع غياب الكتب
ترتفع أعلى معسكري اعتقال والدوريات التي يحتاج
أوشفيتز وبيرجن -بيلزن. إليها ،افترض أورباخ أن
ويرى الكثير من النقاد أن كتابه «المحاكاة» قد يدين
قيام أورباخ بتلخيص الأدب بوجوده «لغياب مكتبة غنية
الغربي من هومريوس إلى
فيرجينا وولف لم يكن مجرد
تعبير عن غضبه تجاه القوى
التي دفعته إلى المنفى ،بل إنه
كان في الواقع يقوم ببناء