Page 150 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 150

‫العـدد ‪24‬‬                                 ‫‪148‬‬

                               ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬                            ‫«موظ ًفا كبي ًرا تقدميًّا‪ ،‬بذل‬
                                                                   ‫جهو ًدا هائلة لتجاهل «اليهود»‬
     ‫العهد القديم بأنه يحول‬       ‫عادة بشكل عام‪ .‬فكتب إلى‬
    ‫الأشخاص الطبيعيين إلى‬         ‫الفيلسوف إيريخ روثاكر‪،‬‬              ‫مع الحفاظ على «تفاعل من‬
‫«يهود روحانيين»‪ ،‬وادعى أنه‬          ‫عندما أعلن الأخير دعمه‬          ‫التقارب والتباعد فيما يتعلق‬
‫لا يوجد «أدنى سبب يستدعي‬         ‫للحزب القومي الاشتراكي‪،‬‬            ‫بمجابهة المحرقة»‪ .‬ويرى أن‬
‫أن نؤمن» بأن المسيح كان من‬        ‫قائ ًل‪« :‬إنك تعرفني بالقدر‬       ‫صمت أورباخ يؤدي بالقارئ‬
                                   ‫الكافي‪ ..‬لتعرف أنني أفهم‬          ‫إلى «إيجاد دلائل على وقوع‬
             ‫أصول يهودية‪.‬‬         ‫دوافعك من وراء توجهاتك‬            ‫المحرقة» في كتاب «المحاكاة»‬
    ‫ولا شك أن أي يهودي في‬         ‫السياسية‪ ،‬إلا أنه ليحزنني‬         ‫حيث لا يوجد أي منها‪ .‬ومن‬
                                ‫ج ًّدا‪ ..‬أن تسعى إلى حرماني‬
     ‫ألمانيا‪ ،‬حتى وإن لم يكن‬     ‫من حقي بأن أكون ألمانيًّا»‪.‬‬          ‫ناحية أخرى‪ ،‬يقول الإيرل‬
 ‫متدينًا‪ ،‬كان ليصاب بالقنوط‬       ‫لا تعد اللهجة شديدة هنا‪،‬‬             ‫جيفري ريتشاردز‪ ،‬الذي‬
  ‫لهذا‪ ،‬وإلى حد ما‪ ،‬كان مقال‬    ‫وإن كان ممكنًا أن نقول بأنه‬             ‫يقوم بالتدريس بجامعة‬
 ‫أورباخ ‪ Figura‬ر ًدا على هذا‪.‬‬  ‫كان يعارض سياسات الرايخ‬                ‫ووبرتال بألمانيا‪ ،‬أن كتاب‬
  ‫فيعمل المقال على استحضار‬                                            ‫«المحاكاة» يستقي «وحدته‬
                                        ‫بأشكال أكثر دهاء‪.‬‬          ‫من تأمل للمحرقة‪ ،‬وليس من‬
   ‫تفسير للأحداث التاريخية‬          ‫وخلال ثلاثينيات القرن‬            ‫التحليل الأسلوبي بها»‪ .‬كما‬
   ‫حيث لا يدل الحدث الأول‬         ‫العشرين‪ ،‬انتهك الكثير من‬            ‫يرى أي ًضا أن أورباخ ربما‬
                               ‫القادة الدينيين في ألمانيا سلطة‬     ‫قد ساعد المونسينيور أنجيلو‬
     ‫«فقط على نفسه‪ ،‬بل على‬          ‫العهد القديم‪ ،‬في محاولة‬         ‫جيسيبي رونكالي ‪-‬الأسقف‬
  ‫الحدث الثاني‪ ،‬بينما يحتوي‬         ‫لطمس التاريخ اليهودي‬               ‫الذي سمح له باستخدام‬
                                 ‫من معناه الأصلي‪ ،‬وفي عام‬              ‫مكتبة الدير الدومينيكي‪،‬‬
      ‫الحدث الثاني الأول أو‬          ‫‪ ،1933‬ذكر الكاردينال‬            ‫والذي صار فيما بعد البابا‬
   ‫يحققه»‪ .‬أي أن الأحداث في‬         ‫فاولهابر (برفض قاطع)‬            ‫يوحنا الثالث والعشرين‪ -‬في‬
 ‫العهد القديم يتم تأكيدها من‬   ‫الميول السائدة بأن «المسيحية‬          ‫مساعيه لإنقاذ يهود البلقان‬
 ‫حيث أهميتها‪ ،‬عندما يستدل‬        ‫التي تظل على تعلقها بالعهد‬
                               ‫القديم‪ ،‬إنما تمثل دينًا يهود ًّيا‪،‬‬          ‫من براثن الجستابو‪.‬‬
    ‫على أحداث مسبقة لها في‬        ‫يتعذر التوفيق بينها وبين‬           ‫أما أورباخ ذاته‪ ،‬فلا يساعد‬
    ‫العهد الجديد‪ .‬ومن خلال‬        ‫روح الشعب الألماني»‪ .‬وفي‬          ‫كثي ًرا في فرز هذه الادعاءات‬
   ‫تتبع أصل كلمة ‪ figura‬في‬       ‫شهر أبريل من عام ‪،1939‬‬               ‫المتناقضة‪ ،‬وعلى الرغم من‬
   ‫أدبيات آباء الكنائس‪ ،‬ومع‬          ‫خلص إعلان جدسبرج‬               ‫أنه أقر بأن كتاب «المحاكاة»‬
  ‫توكيد فكرة أوغسطين بأن‬          ‫للكنيسة الإنجيلية اللوثرية‬
     ‫العهد القديم إنما «نبوءة‬     ‫إلى أن العقيدة المسيحية لم‬             ‫كان «بشكل وا ٍع للغاية‬
 ‫استثنائية»‪ ،‬فقد عمل أورباخ‬     ‫تنشأ عن اليهودية أو تكملها‪،‬‬             ‫كتا ًبا قام شخص بعينه‪،‬‬
                                    ‫وإنما تعد «تناق ًضا دينيًّا‬         ‫في موقف بعينه‪ ،‬بتأليفه‬
      ‫على استكشاف العلاقة‬       ‫غير قابل للتوفيق بينه وبين‬           ‫مع بدايات الأربعينيات من‬
  ‫الوطيدة بين العهدين القديم‬    ‫اليهودية»‪ .‬وكان رجال الدين‬              ‫القرن العشرين»‪ ،‬إلا أنه‬
‫والجديد‪ .‬ومن خلال التشديد‬       ‫الذين وقعوا هذه الوثيقة‪ ،‬في‬         ‫التزم الصمت حول توجهاته‬
  ‫على أن هذا التفسير الرمزي‬       ‫الواقع‪ ،‬إنما يرددون كلام‬           ‫السياسية‪ ،‬ولم يذكر الكثير‬
‫«قد انبثق عن موقف تاريخي‬          ‫مر ّوج البروباجندا النازية‬           ‫عن تجاربه أثناء الحرب‪.‬‬
 ‫محدد‪ ،‬أي انفصال المسيحية‬       ‫ألفريد روزنبرج‪ ،‬الذي انتقد‬           ‫وعندما أتى على ذكر أخبار‬
 ‫عن اليهودية‪ ،‬والرسالة نشر‬                                         ‫الساعة في خطاباته‪ ،‬كان ذلك‬
‫المسيحية بين الوثنيين»‪ ،‬فإنه‬
‫ضمنيًّا قد ربط هذا الانفصال‬
  ‫مع المحاولة النازية لتدنيس‬
 ‫القانون واللاهوت اليهودي‪.‬‬

       ‫بل إن الباحث ْين ديفيد‬
   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155