Page 203 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 203

‫‪201‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫قابله بحثها عن طرق أخرى‬            ‫أن المتيم هذا (لوطي) تجرد‬     ‫أخلاق عصر سلاطين المماليك‪،‬‬
‫تشبع نهمها الجنسي‪ ،‬فمالت‬           ‫من حب فتاة‪ ،‬وداوى مرضه‬          ‫أو الصورة المرئية والمسموعة‬
                                    ‫بمرض‪ ،‬فهو الهائم الضائع‬       ‫للعلاقة بين الحاكم (السلطان)‬
              ‫المرأة للمرأة‪.‬‬      ‫في حب الفتى اليتيم الذي فتن‬
   ‫والواقع أنه خلال العصر‬                                              ‫والمحكوم (الرعية)‪ ،‬تتجلى‬
‫المملوكي لم يكتف فيه الناس‬                           ‫الألباب‪.‬‬     ‫واضحة في «البابات الدانيالية»‬
    ‫بممارسة نوع واحد من‬             ‫بلغ ابن دانيال جرأة عجيبة‬
 ‫الشذوذ‪ ،‬وإنما تعدوه إلى ما‬                                           ‫التي تنتسب إلى ابن دانيال‬
   ‫لا يخطر على بال عاقل أو‬           ‫في عرضه لأمر الانحراف‬        ‫(‪1311 -1238‬م)‪ ،‬الذي عاصر‬
‫مجنون‪ ،‬فقد أفاض الصفدي‬              ‫الجنسي في هذه البابة الذي‬
  ‫في شرح أنواع الشذوذ في‬          ‫يبدو أنه قد تفشى في مجتمعه‬         ‫فترة حكم السلطان بيبرس‬
  ‫عصره‪ ،‬أما ابن دانيال وفى‬          ‫(العراق) إثر اجتياح المغول‬    ‫(‪1277 -1260‬م)‪ ،‬وحفظت له‬
 ‫(بابة طيف الخيال) قصيدة‬                                          ‫المكتبة التراثية العربية نصو ًصا‬
    ‫من خمسة وسبعين بيتًا‬              ‫والدمار الذي أحدثوه‪ ،‬ثم‬
  ‫تحوي كل الأنواع البهيمية‬             ‫بداية الحروب الصليبية‬         ‫أدبية تمثيلية شعبية نسبت‬
   ‫العجيبة من الشذوذ الذي‬           ‫التي شهد ابن دانيال أولها‪،‬‬     ‫إليه وهي على الترتيب‪« :‬طيف‬
 ‫مارسه مع الكلاب والجمال‬               ‫وواضح أن مجتمع ابن‬            ‫الخيال»‪ ،‬و»عجيب وغريب»‪،‬‬
                                      ‫دانيال لم ير ما يمنع من‬
     ‫والأطفال والنساء وكل‬            ‫عرض الانحراف الجنسي‬               ‫و»المتيم والضائع اليتيم»‪.‬‬
 ‫دواب الأرض ماعدا العقرب‬                ‫ومناقشته علنًا‪ ،‬فالبابة‬          ‫وقد عبر ابن دانيال عن‬
                                    ‫الدانيالية الثالثة تتحدث عن‬
                ‫والزنبور‪.‬‬           ‫الحفلات اللوطية والعلاقات‬        ‫انحرافات المجتمع في «المتيم‬
    ‫وقد أوضحت الدراسات‬               ‫الإباحية بين اليتيم والمتيم‬   ‫والضائع اليتيم»‪ ،‬وموضوعها‬
    ‫أن هناك جز ًءا على الأقل‬        ‫وشخصيات أخرى منحرفة‬
  ‫من قصص ألف ليلة وليلة‬             ‫كل منها يمثل وص ًفا شا ًّذا‪.‬‬       ‫«طر ًفا من أحوال المحبين‪،‬‬
   ‫ُكتب في العصر المملوكي‪،‬‬        ‫لقد كانت مشاهدة خيال الظل‬           ‫وطر ًفا من الغزل الذي هو‬
  ‫فيغلب الظن في رأي النقاد‬           ‫من أكثر فنون ذلك العصر‬            ‫السحر المبين‪ ،‬وطر ًفا من‬
    ‫والمدققين أن هذا الكتاب‬           ‫شعبية بحيث ورد ذكرها‬         ‫الملاعيب‪ ،‬وطر ًفا من المجون»‪،‬‬
  ‫قد وضع بين القرن الثالث‬           ‫كثي ًرا في المصادر التاريخية‬    ‫فالمتيم كما وصفه ابن دانيال‬
  ‫عشر والقرن الرابع عشر‪،‬‬            ‫والأدبية‪ ،‬واللافت للنظر أن‬      ‫عاشق متذلل‪ ،‬جريح‪ ،‬حزين‪،‬‬
  ‫وتحتوي «ألف ليلة وليلة»‬         ‫كثي ًرا من تمثيليات خيال الظل‬   ‫سقيم‪ ،‬طعين‪ ،‬باك‪ ،‬أرق‪ ،‬لم يبق‬
 ‫بلا منازع على أكبر قدر من‬          ‫كانت تتضمن أقبح عبارات‬          ‫من جسمه إلا عظم‪ ،‬لنكتشف‬
 ‫المجون‪ ،‬فالمجموعة ُت َع ّد أكثر‬      ‫بذيئة مكشوفة‪ ،‬وحركات‬
    ‫الكتب انتشا ًرا وأوسعها‬        ‫شهوانية فاضحة‪ ،‬فض ًل عن‬
‫شهرة بين العامة والخاصة‪،‬‬           ‫أن الجنس كان هو الموضوع‬
   ‫لما تزخر به من المقتطفات‬            ‫المفضل لهذه التمثيليات‪.‬‬
     ‫الرائعة‪ ،‬حيث تتجلى في‬        ‫وقد انتشر حب النساء للنساء‬
 ‫سطورها الرؤية الشهوانية‬           ‫في العصر المملوكي‪ ،‬فظاهرة‬
     ‫بشكل كلي وشامل غير‬             ‫السحاق‪ ،‬انتشرت‪ ،‬وقد ألمح‬
  ‫منفصل عن المحيط الثقافي‬           ‫إليها أحد أدباء ذلك العصر‬
‫والاجتماعي الذي تولّدت عنه‬        ‫وهو ابن الطفال‪ .‬ومما لا شك‬
   ‫هذه الحكايات الرامية إلى‬        ‫فيه؛ أن زهد الرجل في المرأة‪،‬‬
   198   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208