Page 104 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 104

‫العـدد ‪23‬‬                      ‫‪102‬‬

                                      ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬

                                   ‫د‪.‬أحمد يوسف علي‬

‫كتب تحترق‬

 ‫وخج ًل وانكسا ًرا حال إخفاقهم‪،‬‬     ‫تحقيق صحفي بليغ ومحترف‬                      ‫‪:1 -1‬‬
 ‫هو كتاب يغريك بالقراءة لكنه لا‬       ‫يتتبع الصغيرة قبل الكبيرة‪،‬‬        ‫قدم لنا لوسيان بولاسترون‬
‫يدفع عنك السأم والملل في أحيان‬         ‫ويقف عند الرواية الشفهية‬
                                                                            ‫كتابه هذا (كتب تحترق)‬
      ‫كثيرة لما تلمسه من حرص‬       ‫ويعتد بها كما يقف عند المعلومة‬           ‫ليرصد فيه تاريخ تدمير‬
  ‫المؤلف على أن ينحاز إلى ثقافته‬    ‫التي يستمدها من مؤرخ عظيم‬        ‫المكتبات الكبرى في العالم القديم‬
                                                                       ‫والوسيط والمعاصر‪ ،‬وهو من‬
   ‫الغربية ضد العرب والإسلام‬           ‫مثل أرنولد توينبي‪ ،‬وتشعر‬           ‫الكتب المعاصرة بمعنى أنه‬
‫تحدي ًدا‪ ،‬أم ًل في أن يرضي معظم‬    ‫بروح كاتبه وأنت تقرأ كل سطر‬          ‫واكب أحدا ًثا كبرى تضمنتها‬
                                    ‫من سطوره وكأنه يجلس معك‬          ‫صفحاته‪ ،‬مثل قصة إعادة إحياء‬
    ‫القراء في الغرب‪ ،‬كما يرضي‬                                        ‫مكتبة الإسكندرية وقصة النهب‬
   ‫رغبة الناشر في اكتساب مزيد‬         ‫على مقهى شعبي في حي من‬            ‫المنظم والمتعمد لذاكرة العراق‬
‫من القراء ليبيع مزي ًدا من النسخ‪.‬‬       ‫الأحياء التاريخية‪ .‬ومع أنه‬    ‫بعد احتلال أمريكا له وسطوها‬
  ‫هذا الاتجاه الذي يحرص عليه‬                                         ‫على كتبه ومخطوطاته ومقتنياته‬
 ‫الكاتب أشد الحرص هو تحميل‬           ‫يحدثك عن التاريخ البعيد كما‬          ‫الأثرية‪ ،‬سعيًا لمحو الذاكرة‬
                                   ‫هو الحال عند قدماء المصريين‪،‬‬     ‫وطمس الحقائق‪ ،‬وكأنها لم تكتف‬
     ‫العرب والمسلمين كل أوزار‬                                          ‫بما نهبته من ثرواته الطبيعية‬
     ‫التاريخ ومصائبه‪ ،‬وإلصاق‬          ‫فإنك لا يمكن أن تشعر ببعد‬         ‫والبشرية‪ ،‬وقصة طالبان مع‬
     ‫كل أسباب التخلف والجهل‬           ‫الزمن ولا ببعد المكان‪ ،‬وكأن‬          ‫تماثيل بوذا في أفغانستان‬
    ‫والعدوانية بالدين الإسلامي‬                                      ‫وانتفاض العالم الغربي احتجا ًجا‬
   ‫ورسوله وكبار الصحابة مثل‬              ‫الأحداث التاريخية عريقة‬          ‫على عزم طالبان تحطيمها‪.‬‬
 ‫عمر وعثمان وعمرو بن العاص‪،‬‬         ‫القدم والأعلام الذين صنعوها‬         ‫فالكتاب الذي بين أيدينا كأنه‬
    ‫بل إنه لا يخفي عداءه المطلق‬
    ‫للأديان السماوية ويعلن أنها‬       ‫يعيشون معنا اليوم‪ ،‬تشاهد‬
‫سر البلاء الذي حل بالحضارات‬           ‫مكرهم كما تشاهد إخفاقهم‪،‬‬
                                      ‫وترى وجوههم وقد ازدادت‬
                                    ‫خيلاء وبش ًرا حال انتصارهم‪،‬‬
                                   ‫كما تراها وقد ازدادت امتعا ًضا‬
   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109