Page 165 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 165

‫الملف الثقـافي ‪1 6 3‬‬

‫أخطاء الظروف والملابسات‬             ‫خائف‪ ..‬الرجل يضعف‬          ‫اضطرته الحاجة أن يفتش‬
  ‫عاد ًة ما تكون مصحوبة‬           ‫أمام مسؤوليات حياته‪ ،‬يا‬
    ‫بأعذار غالبًا ما يتقبّلها‬     ‫هذا‪ ،‬إن هذا الخوف وذلك‬       ‫عن مواطن قوته‪ ،‬وأتصور‬
                 ‫العقلاء‪.‬‬       ‫الضعف هما في حقيقة الأمر‬
  ‫أما أن تكرهك قوة ما أو‬          ‫موقف‪ ،‬نعم موقف‪ ،‬يحمل‬         ‫أن فكرة تكوين الجماعة‬

‫سلطة على ارتكاب خطأ ما‪،‬‬              ‫في ظاهره نهوض ذلك‬         ‫البشرية ‪-‬أي جماعة بأي‬
‫فهذا لا شك قد يسقط عنك‬          ‫الكاتب –مث ًل‪ -‬بأعباء حياته‬
                                  ‫الخاصة‪ ،‬ويحمل في طياته‬       ‫صورة‪ -‬كان ابتدا ًء من أجل‬
  ‫المسؤولية لكنه لن يسقط‬        ‫الكثير والكثير مما يحلو لنا‬    ‫استجماع القوى‪ ،‬من أجل‬
      ‫عنك الشعور بالندم‪.‬‬
      ‫يبقي الخطأ عن عمد‬             ‫تسميته بالمسكوت عنه‪.‬‬       ‫التعايش مع الطبيعة وليس‬
       ‫والخطأ عن رغبة‪..‬‬            ‫ثم ما الخطأ في أن يخاف‬
                                  ‫شخص أو يضعف؟ حتى‬             ‫مواجهتها‪ ،‬امتلك الإنسان أول‬
   ‫الخطأ عن عمد عاد ًة ما‬        ‫لو اعتبرنا أنهما نقيصتان‪،‬‬
  ‫يقترن بالخطأ عن رغبة‪،‬‬                                        ‫قوة حين أدرك أن الطبيعة‬
   ‫كالسرقة مث ًل‪ ،‬أو إقامة‬              ‫خاصة أنه لا خو َف‬
   ‫علاقة بين رجل وامرأة‬            ‫ملاز ٌم‪ ،‬ولا ضع َف مقي ٌم‪،‬‬  ‫ليست عد ًّوا وأن الضعف‬
                                    ‫فصفات الإنسانية ككل‬        ‫ليس عيبًا‪ ،‬وأن القوة الحقيقة‬
      ‫خارج منظومة القيم‬          ‫صفات نسبية‪ ،‬نسبية تليق‬        ‫في ترويض الطبيعة‪ /‬الحقيقة‬
 ‫المجتمعية دينيًّا وأخلاقيًّا‪.‬‬    ‫بالمخلوق‪ ،‬ومادام الحديث‬
                                   ‫قد وصل بنا إلى «الخطأ»‬      ‫‪-‬نعم الحقيقة‪ -‬والتعايش‬
     ‫عاد ًة هذه النوعية من‬      ‫فدعنا صديقي القارئ نتأمل‬
 ‫الخطأ تكون بؤرة صراع‬              ‫م ًعا ما الخطأ؟! أقصد ما‬    ‫معها‪ ،‬وليس في الخوف من‬
‫إنساني داخلي‪ ،‬داخل نفس‬
‫المخطئ‪ ،‬شريطة أن حصته‬                 ‫الخطأ في الخطأ ذاته؟‬     ‫الضعف والهروب‪ ،‬ولعلنا لو‬
                                     ‫يخطئ الإنسان إما عن‬
     ‫الإنسانية من الضمير‬         ‫جهل أو عن غفلة‪ ،‬وإما عن‬       ‫تأملنا علاقة مر ّوض الأسود‬
    ‫تكون لم تزل بخير‪ ،‬أو‬         ‫نقص قدرات‪ ،‬أو عن رغبة‪،‬‬        ‫بأسوده لأدركنا الكثير عن‬
                                   ‫وإما عن عمد‪ ،‬وربما عن‬
             ‫بعض الخير‪.‬‬             ‫أشياء أخرى كالظروف‬         ‫مفاهيم القوة الصحيحة‬
    ‫هذه النوعية من الخطأ‬         ‫والملابسات المحيطة‪ ،‬أو عن‬
    ‫تورث المخطئ تداعيات‬                                        ‫الحقيقية‪ ،‬وأدركنا أن الضعف‬
   ‫في تصوري انها أخطر‪،‬‬                  ‫إكراه من قوة أكبر‪.‬‬
   ‫وهي إما جلد الذات‪ ،‬أو‬        ‫أخطاء الغفلة أو الجهل يمكن‬     ‫ليس عيبًا‪ ،‬وليس عا ًرا وليس‬
 ‫التبرير‪ ،‬أو التمادي الناتج‬      ‫تداركها ببعض التعلُّم‪ ،‬وقد‬    ‫نق ًصا‪ ،‬علينا أن ننكره‪ ،‬أو‬
    ‫من الاعتياد‪ ،‬بل تورثه‬                                                    ‫ندعي خلافه‪.‬‬
‫تقاليدها المريبة التي تجعله‬       ‫يكون المخطئ سعيد الحظ‬
 ‫يتغافل بل يتعامي عن كنه‬        ‫لو استطاع إصلاح آثار ذلك‬       ‫إذن الخوف والضعف‬
 ‫الخطأ ذاته‪ ،‬فتفسد داخله‬
 ‫نقطة إنسانية بالغة القيمة‬                         ‫الخطأ‪.‬‬      ‫حقيقتان وليسا نقيصتين‪،‬‬
‫وهي الاعتراف‪ ،‬فالمواجهة‪،‬‬            ‫أما أخطاء نقص القدرة‬
   ‫فالتوقف‪ ،‬فالإصلاح إن‬           ‫فربما يتحتم على الإنسان‬      ‫صحيح أن السياق الحضاري‬
   ‫استطاع‪ ،‬كل هذا في ظ ّل‬         ‫إن أدركها أن يتوقف عنها‬
‫خو ٍف مهو ٍل من الانكشاف‬        ‫إذا كان يدرك حقيقة قدراته‪،‬‬     ‫الآن اختلف‪ ،‬وطرق الإنكار‬
                                     ‫ويصعب عليه تنميتها‪.‬‬
        ‫في مجتمع يتباري‬                                        ‫تط ّورت‪ ،‬وإرهاق ادعاء‬
                                                                  ‫الفضائل يتعاظم يو ًما بعد‬
                                                               ‫يوم بدون سبب مفهوم‪ ،‬حتى‬

                                                                             ‫بين المثقفين‪.‬‬
                                                               ‫فتجد ُكتّا ًبا كبا ًرا يخجلون‬
                                                               ‫من إعلان ضعفهم‪ ،‬خوفهم‪،‬‬

                                                               ‫خاصة في مقامات المزايدة‬

                                                               ‫الحنجورية‪ ،‬عندما يحاصر‬

                                                               ‫أحدهم كاتبًا ما ويغمزه‬
                                                               ‫ويلمزه بأنه لم يعلن موقفه‬

                                                               ‫بوضوح في قضية ما‪ ،‬فما‬

                                                                  ‫لا س َّر‪،‬‬  ‫السر وراء ذلك؟‬
                                                               ‫ذلك الكاتب‬    ‫ك ّل ما هنالك أن‬
   160   161   162   163   164   165   166   167   168   169   170