Page 166 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 166

‫العـدد ‪23‬‬                                ‫‪164‬‬

                                   ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬                        ‫المخطئون المستترون فيه إلى‬
                                                                               ‫المعايرة والتشهير‪.‬‬
 ‫الكمال كنموذج‪ ،‬افترض أ ّنه‬            ‫إتقانه‪ ،‬ثم إحاطته ببعض‬
 ‫على البشر أن يحتذوا به‪ ،‬أو‬             ‫الهالات السلوكية حماي ًة‬      ‫وهذا تحدي ًدا يور ُث الإنسا َن‬
  ‫يقارنوا أنفسهم به‪ ،‬أورثهم‬           ‫لنفسك من كارثة اكتشاف‬                 ‫–الخ ّطاء بطبعه– صفة‬
‫مشاعر تتراوح ما بين العجز‬             ‫آخر لكذبك؛ فتلك فضيحة‬
                                        ‫ُمدو ّية‪ ،‬هذا الكذب يدفع‬          ‫التناقض‪ ،‬أو لنقل ُيظهر‬
                  ‫والإدعاء‪.‬‬            ‫صاحبه إلى الهروب حتى‬            ‫فيه صفة التناقض التي هو‬
  ‫أي ًضا الخطابات الدينية على‬       ‫من ذاته؛ لأ ّن مواجهة الذات‬
  ‫تن ّوع الدين‪ ،‬وتن ّوع مذاهبه‪،‬‬      ‫بالكذب مع الخوف والعجز‬              ‫بالأصل ُمهيّأ لها‪ ،‬ولذلك‬
 ‫تجد معظمها خطابات مغرمة‬              ‫يورثان شعورين بغيضين‬             ‫كثي ًرا ما توقف ُت أمام النص‬
 ‫بل مفتونة بتقديم نماذج من‬                                             ‫القرآني الكريم حين تحدث‬
‫المؤمنين هي نماذج أسطورية‪،‬‬                   ‫هما الفشل والندم‪.‬‬       ‫عن النفس الإنسانية‪“ :‬ونفس‬
   ‫لا ِق َب َل لأي إنسان عمو ًما‪،‬‬  ‫من أي جحيم استقي الإنسان‬           ‫وما سواها فألهمها فجورها‬
 ‫ومؤمن تحدي ًدا‪ ،‬أن يدنو من‬         ‫هذا التراكم من المفاهيم التي‬
   ‫تلك الهالات الأسطورية أو‬        ‫تتعارض مع طاقاته وصفاته‬               ‫وتقواها”‪ ..‬نعم‪ ،‬لم أكمل‬
 ‫يشارفها‪ ،‬بل لا يح ّق له بينه‬                                          ‫الآية‪ ..‬لم أتحدث عن المفلح‬
  ‫وبين نفسه أن يقارن نفسه‬              ‫وأثمرت تراك ًما هائ ًل من‬       ‫الذي زكاها‪ ،‬أو عن الخائب‬
                                   ‫الأخطاء والأحاسيس السلبية‬           ‫الذي د ّساها‪ ،‬ربما لأنني في‬
                       ‫بها!‬                                             ‫قرارة نفسي منشغل بذلك‬
   ‫أنا هنا لا أبحث حقيقة تلك‬                         ‫والادعاء؟‬         ‫الخائب‪ ،‬بالعوامل والدوافع‬
 ‫الهالات من عدمها‪ ،‬رغم ميلي‬        ‫أظن أن هذا الجحيم المسؤول‬
 ‫الشخصي إلى أننا أمة برعت‬                                                      ‫التي تجعله خائبًا‪.‬‬
                                        ‫عن كل ذلك هو السياق‬                 ‫فمن أي جحيم استمد‬
          ‫في تأليف تاريخها!‬        ‫المجتمعي والسياق الحضاري‬               ‫الإنسان فكر َة أ ّن َت َجا ُو َر‬
  ‫لكن ما يعنيني هو ما ألمسه‬                                                ‫الصفات المتضادة عيب‬
‫كثي ًرا بنفسي من أثر أحاديث‬                ‫اللذان أفرزا تأويلا ٍت‬        ‫ونقيصة‪ ،‬وأ ّن ذلك يعني‬
  ‫يظن محدثوها أنها إيجابية‪،‬‬          ‫مح َّدد ًة ومو ِّجهة للأساطير‪،‬‬    ‫التناقض‪ ،‬وأن هذا التناقض‬
                                                                     ‫يورث العار ويهزمك‪ ..‬يهزمك‬
     ‫وربما هي على النقيض‪،‬‬             ‫والديانات ‪-‬الأرضية منها‬        ‫أمام من؟ هذا هو السؤال‪ ،‬هل‬
        ‫فالشاب العادي حين‬                 ‫والسماوية‪ -‬والآداب‪،‬‬         ‫يهزمك أمام السماء؟ أم أمام‬
                                          ‫والفلسفات‪ ،‬والفنون!‬         ‫نفسك؟ أم أمام من يرصدك‬
   ‫يذهب إلى دار العبادة يقينًا‬                                        ‫متت ّر ًسا بكل آليات التشهير‪،‬‬
‫سيستمع إلى سيرة الصحابة‬               ‫انتبه معي صديقي القارئ‬
                                     ‫إلى أنني أشير إلى تأويلات‬               ‫فالحساب‪ ،‬فالعقاب‪.‬‬
   ‫والقديسين‪ ،‬وهم أفذاذ في‬            ‫تلك الأشياء‪ ،‬ولا أشير إلى‬          ‫ما الخلاص إذن أمام هذا‬
  ‫إيمانهم ومواقفهم لا يأتيهم‬       ‫الأشياء ذاتها‪ ،‬فالجحيم عادة‬            ‫الرعب من افتضاح ذلك‬
                                      ‫يكمن في التأويل لا النص‪،‬‬
    ‫الخطأ أو الخلط أو الباطل‬                                               ‫التناقض؟ الرعب الذي‬
    ‫من بين أيديهم‪ ،‬فإيمانهم‬              ‫في حملة الأفكار وليس‬        ‫يتسرطن داخل كثير من بني‬
  ‫استثنائي‪ ،‬وزهدهم مضرب‬              ‫الأفكار‪ .‬فالأساطير القديمة‬
     ‫الأمثال‪ ،‬وعفتهم مطلقة‪،‬‬                                                            ‫الإنسان؟‬
 ‫وبطولاتهم خارقة وصيامهم‬                ‫على تنوعها مث ًل‪ ،‬ما بين‬           ‫للأسف عاد ًة ما يكون‬
   ‫وصلواتهم‪ ..‬إلخ‪ ،‬كأن يوم‬         ‫إغريقية‪ ،‬وشرقية‪ ،‬وفرعونية‪،‬‬           ‫الخلاص في الكذب‪ ،‬فليس‬
‫الواحد منهم كان مائة ساعة‪،‬‬                                              ‫أيسر منه لإنكار هذا الكم‬
  ‫فيؤمن الشاب أنه لو قضي‬             ‫تكاد تكون جميعها ك َّرست‬           ‫من التناقض داخل النفس‬
  ‫عمره متف ّر ًغا للعبادة –وهذا‬       ‫للإنسان المكتمل‪ ،‬الإنسان‬            ‫البشرية‪ ،‬نعم الكذب‪ ،‬ثم‬
‫ليس مطلو ًبا بالطبع– فإنه لن‬        ‫البطل الخارق‪ ،‬الإنسان الذي‬
                                     ‫يحمل في طيّات نفسه قب ًسا‬

                                                 ‫من ألوهيّة ما‪.‬‬
                                       ‫صياغة هذا الإنسان بهذا‬
   161   162   163   164   165   166   167   168   169   170   171