Page 171 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 171

‫‪169‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حـوار‬

 ‫البدر ّية‪ ،-‬وتقوم بتقسيم الأسئلة‬             ‫حاوره ‪:‬‬                      ‫إحدى أفضل الطرق لجعل الناس‬
   ‫إلى محاور‪ ،‬كل محور ترسله له‬                                               ‫يتحدثون مع َك عن أنفسهم‪ ،‬أن‬
                                         ‫سمر لاشين‬                            ‫تحدثهم بشيء عن نفس َك‪ ،‬إن‬
     ‫آخر الليل حين تتأكد أنه غير‬
‫موجود ليكون في صندوق رسائله‪،‬‬           ‫كيف أقول له‪ :‬إن بعد الستين‪،‬‬        ‫الإفصاح عن الذا ِت يقابل بالمثل”‪.‬‬
                                   ‫السنوات لا تم ّر كالبر ِق‪ ،‬كما تظن‪،‬‬       ‫لكن‪ ،‬أنا ليس عندي ما أتحدث‬
   ‫ويكون أول شيء يبدأ به يومه‪.‬‬
                  ‫وهذا ما فعلته‪.‬‬      ‫أن َت فقط من قررت أن تتأني في‬       ‫عنه‪ ،‬أنا حين دخلت أرض ال ِّشعر‪،‬‬
                                       ‫خطوات َك‪ ،‬أما هي‪ ،‬فتمشي كما‬           ‫محوا ذاكرتي‪ ،‬وأعطوني اس ًما‬
  ‫في البد ِء‪ ،‬كان ال ّشعر‪.‬‬
  ‫ووفق مشيئته؛ تسير‬                 ‫كانت دائ ًما‪ ،‬بنفس الوتيرة ونفس‬       ‫جدي ًدا‪ ،‬كما حدث تما ًما في «طفولة‬
                                   ‫النفس الهادئ‪ ،‬بعد الستين ستفكر‬            ‫جيسوس»‪ ،‬أنا ٌس بلا ذاكر ٍة أو‬
         ‫الأقدار‪:‬‬                    ‫كثي ًرا في جسدك‪ ،‬الذي حولته إلى‬         ‫ماضي يحملون أسماء جديدة‬
   ‫دعنا نبدأ من البداية‬
‫عندما كن َت في بداية العقد‬              ‫آلة للعمل؛ نسيت كيف يمكنك‬          ‫ليس لهم أي علاقة بالماضي‪ ،‬ولا‬
 ‫الثالث من عمر َك تحدي ًدا‪،‬‬             ‫إيقافها‪ .‬الآن‪ ،‬بإمكان النحات‬       ‫يتذكرون أسماءهم على الإطلا ِق‪.‬‬
 ‫في منتصف السبعينيات‬                 ‫الذي كان يعيد بناء جملته‪ ،‬مرات‬
‫وظهور ما يسمى بجماعة‬                 ‫ومرات‪ ،‬دون مل ٍل أو تع ٍب‪ ،‬ولمدة‬         ‫شخص بلا ذاكر ٍة مثلي‪ ،‬كيف‬
  ‫أصوات ‪-‬كن َت عض ًوا‬              ‫ساعا ٍت طويلٍة؛ أن ينمي قدرته على‬         ‫يحاور شخ ًصا يمتلك أكثر من‬
 ‫مؤس ًسا فيها‪ -‬وجماعة‬                 ‫اللهو من وق ٍت إلى آخر‪ ،‬بإمكانه‬    ‫ذاكر ٍة مثله؟! أتذكر ترجمته لعبارة‬
  ‫إضاءة‪ ،‬حيث بدأ جيل‬                ‫مث ًل متابعة مسلسلات لم يتابعها‬
‫جديد من ال ّشعراء بتحريك‬                                                       ‫تينيسي وليمز في «الوحوش‬
  ‫المياه الراكدة في بركة‬                           ‫منذ أربعين عا ًما‪.‬‬     ‫الزجاجيّة»‪“ :‬الذاكرة تأخذ الكثير‬
 ‫ال ّشعر بعد جيل الرواد‪،‬‬            ‫في الرابعة فج ًرا‪ ،‬لا توقظ ال ّشمس‬
‫الأمر الذي ُقوبل بالرفض‬              ‫كعادت َك‪ ..‬دعها في نومها الأبدي‪..‬‬       ‫من الرخصة ال ّشعر ّية‪ .‬تحذف‬
 ‫التام من الجميع‪ ،‬لكنكم‬            ‫واجلس بصحبة ال ِّشعر الذي خفته‪،‬‬       ‫بعض التفاصيل؛ وتبالغ في البعض‬
‫صمدتم بشك ٍل بطولي أمام‬
‫ك ّل تلك التحديات؛ جنبتنا‬              ‫وانشغلت بك ِّل هذا عنه‪ .‬اجلس‬            ‫الآخر‪ ،‬وف ًقا للقيمة العاطفيّة‬
  ‫نحن الآن‪ ،‬معارك‪ ،‬كان‬               ‫لأطول فترة ممكنة ولا تخف من‬          ‫للعناصر التي تمسها‪ ،‬لأن الذاكرة‬
‫يصعب علينا خوضها‪ .‬هل‬                  ‫قسوته‪ .‬وحين يطلع النهار؛ إر ِم‬
‫كان الأمر يستحق ك ّل هذا‬                                                    ‫مقرها القلب غالبًا‪ .‬ما يكمن فيه‬
                                        ‫بك ّل أحمال َك على كتفيه‪ .‬لتعود‬     ‫خافت وشاعري إلى ح ٍد ما»‪ .‬أنا‬
        ‫التعب؟!‬                      ‫كما كنت خفي ًفا‪ ،‬لا يقتل َك ضجيج‬      ‫فع ًل أملك ذاكرة في قلبي‪ ..‬أتذكر‬
                                                                           ‫فقط الأحداث التي مرت به‪ .‬ربما‬
  ‫لنعد إلى المشهد ببعض التفصيل‪.‬‬            ‫المدينة ولا يخيف َك صمتها‪.‬‬      ‫علي أن أبدأ من هنا‪ ..‬حيث قلبي‪،‬‬
‫في نهاية الأربعينيات ظهر جنين في‬      ‫حين تكون في حوا ٍر مع ال ّشاعر‬        ‫ومنه سأعرفه بنفسي‪ ،‬وأتعرف‬
‫أرحام بعض الشعراء‪ ،‬الذين سوف‬          ‫والمترجم الدكتور‪ :‬عبد المقصود‬
                                   ‫عبد الكريم عليك أن تكون حري ًصا‬                                 ‫عليه‪.‬‬
    ‫يعرفون بعد ذلك بجيل الرواد‪،‬‬    ‫على الوصول لاتفا ٍق معه‪ ،‬أن يكتب‬          ‫كيف أجري حوا ًرا مع شخص‬
     ‫كان الجنين قصيدة التفعيلة‪.‬‬       ‫الرد على أسئلتك في نفس الميعاد‬        ‫يظن أن شهوة الكلام من أقوى‬
                                    ‫الذي يستيقظ فيه لترجمة أعماله‪،‬‬           ‫الشهوات وأسوأها‪ ،‬وأن معظم‬
                                     ‫في الرابعة بعد صلاة الفجر‪ .‬هذا‬       ‫الناس يتكلمون لمجرد أن يتذكروا‬
                                      ‫إذا كنت تطمح وتطمع أن تكون‬            ‫أنهم بشر‪ .‬شخص يعمل وكأنه‬
                                     ‫الإجابة بنفس الروح التي يترجم‬          ‫يسابق الزمن‪ ،‬يستيقظ ك ّل يو ٍم‬
                                      ‫بها أعماله‪ ،‬وقت فيه من رائحة‬          ‫في الرابعة فج ًرا في ال ّساعة التي‬
                                      ‫وبركة أعمال ال ّصباح ‪-‬الأعمال‬
                                                                               ‫يفضلها العشاق والمنتحرون‬
                                                                                 ‫ليمارس العمل الذي يحب‬

                                                                         ‫«يترجم»‪ ،‬وإن صاحب ذلك فوضى‬
                                                                               ‫متعمدة منه لإيقا ِظ ال ّشمس‪.‬‬
   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176