Page 173 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 173

‫بعد بضع سنوات من ظهور قصيدة‬
    ‫التفعيلة بدا وكأن لها تقاليدها‬

‫الخاصة‪ ،‬وسطوتها الخاصة أي ًضا‪ .‬أي‬
 ‫أنها أصبحت كلاسيكية في غضون‬

‫بضع سنوات‪ ،‬وهو أمر نادر في الفن‪،‬‬
  ‫أن تتحول حركة جديدة إلى حركة‬
   ‫«كلاسيكية» في أقل من عقد من‬
                                  ‫الزمان‬

    ‫اليأس في حالتنا محل الصمود‬          ‫في أحضان أمريكا‪ ،‬ثم معاهدة‬                   ‫صلاح عبد الصبور‬
    ‫وسرنا مع القطيع‪ ،‬وسقطنا في‬         ‫كامب ديفيد‪ ،‬والمقاطعة العربية‪.‬‬
 ‫المستنقع الراكد‪ .‬لكن عمو ًما يمكن‬    ‫وبالطبع كان علينا أن نتحرك أو‬        ‫النظام الجديد بعد الثورة في أن‬
  ‫أن أقول إن الشعر دفع لي مقاب ًل‬      ‫نموت‪ ،‬واخترنا أن نتحرك وأن‬           ‫يكون له أبناؤه‪ ،‬وإلا بم نفسر‬
‫لا يقدر بثمن‪ ،‬لقد دفع لي وجودي‪،‬‬                                         ‫تهميش شاعر بحجم محمود حسن‬
   ‫كينونتي‪ .‬لقد دفع لي إحساسي‬              ‫نخوض معاركنا الخاصة‪.‬‬              ‫إسماعيل‪ ،‬وهو في رأيي واحد‬
  ‫بإنسانيتي‪ ،‬لقد دفع لي ما يدفعه‬                                           ‫من أكبر شعراء مصر في القرن‬
                                    ‫ما الذي دفعه ال ِّشعر لكم‪،‬‬          ‫العشرين‪ .‬والبعد الآخر‪ ،‬وقد كتبت‬
                   ‫العشق عادة‪.‬‬       ‫كي تصمدوا أمام ك ّل هذا‬                ‫عنه باستفاضة في مقال لي عن‬
                                    ‫الرفض‪ ،‬بك ّل هذا الإيمان‪،‬‬           ‫صلاح عبد الصبور‪ ،‬نشر في أوائل‬
‫بخصوص حديثك عن أمل‬                  ‫والثقة بحتم ّية الوصول؟‬                ‫التسعينيات أكثر من مرة‪ ،‬وهو‬
  ‫دنقل‪ ،‬عندما كتبت على‬                                                    ‫أن قصيدة التفعيلة في تلك الآونة‬
 ‫صفحتك في الفيس بوك‬                     ‫كان الرفض قو ًّيا لأننا على ما‬     ‫لم تبتعد كثي ًرا عن عمود الشعر‬
 ‫رأيك هذا‪ ،‬فتحت النيران‬             ‫يبدو تجرأنا على «العمود المقدس»‪،‬‬         ‫العربي وإن كانت قد خرجت‬
‫عليك‪ ،‬وتابع ُت التعليقات‬             ‫أقصد عمود الشعر العربي‪ ،‬حتى‬          ‫على سمة من سماته‪ ،‬ورجعت في‬
  ‫التي كانت من باب أن َك‬                                                 ‫ذلك إلى مقدمة المرزوقي في شرح‬
 ‫ظلمت الرجل وأنه قامة‬                  ‫أن أحدهم رفض مقا ًل لي ينتقد‬
 ‫يجب تقديسها‪ ،‬وأنه قدم‬              ‫الإيمان المطلق بما قدمه الخليل بن‬                  ‫حماسة أبي تمام‪.‬‬
‫الكثير‪ ،‬وأن الشعر مشهد‬              ‫أحمد‪ ،‬وقال بالحرف مبر ًرا رفض‬           ‫باختصار جئنا والبركة آسنة‪،‬‬
‫واسع يحتمل كافة أشكال‬               ‫نشر المقال‪« :‬أنت بتشتم الخليل بن‬    ‫والظروف السياسية تتغير بسرعة‪:‬‬
                                     ‫أحمد» وأقسمت له ساخ ًرا بأنني‬         ‫النكسة‪ ،‬حرب الاستنزاف‪ ،‬وفاة‬
‫التعبير الجمالي ويتعارض‬                                                       ‫عبد الناصر‪ ،‬السادات (رأس‬
 ‫بالقطع مع فكرة الإقصاء‬                                   ‫لم أشتمه‪.‬‬           ‫الأفعى) والانقلاب على ثورة‬
  ‫والمصادرة‪ ،‬وأشياء من‬               ‫أظن عمو ًما أن السؤال عن المقابل‬   ‫يوليو فيما أسماه ثورة التصحيح‪،‬‬
                                    ‫في الفن والحب والقضايا المصيرية‬        ‫مظاهرات الطلبة‪ ،‬حرب أكتوبر‪،‬‬

                                        ‫لا يكون سؤا ًل مناسبًا‪ .‬وفيها‬         ‫الفتنة الطائفية‪ ،‬التحالف مع‬
                                       ‫يكون الإيمان بحتمية الوصول‬         ‫التيارات الدينية لضرب التيارات‬
                                       ‫هو المحرك الأساسي‪ ،‬وإلا حل‬         ‫الاشتراكية والليبرالية‪ ،‬والارتماء‬
   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178