Page 163 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 163

‫الملف الثقـافي ‪1 6 1‬‬

      ‫البدهي أن ذلك المخلوق‬            ‫صغيرة يراودها شعو ٌر‬          ‫إنسان!‬
  ‫يخاف‪ ،‬ويضعف‪ ،‬ويخطئ‪،‬‬                ‫بالنقص لأنها ليست نخلة‬
                                  ‫مث ًل‪ ..‬كذلك لم نلحظ هذا عند‬             ‫عمرو الشيخ‬
     ‫ويتناقض‪ ،‬ويكذب‪ .‬نعم‬          ‫كائنات نفس الفصيلة؛ فجميع‬
‫يكذب‪ .‬وكذلك أظن أن كل ذي‬          ‫الكائنات –تقريبًا‪ -‬تعيش وفق‬            ‫الخوف‪ ..‬الضعف‪..‬‬
                                     ‫قدراتها وعطاءات الوجود‬
 ‫عقل ونصيب لا بأس به من‬             ‫لها‪ .‬فما الذي أ ّرق الإنسان‪،‬‬        ‫الخطأ‪ ..‬التناقض‪ ..‬الكذب‪..‬‬
  ‫صحة التفكير سيتفق أي ًضا‬         ‫وجعله يعيش صرا ًعا حقيقيًّا‬          ‫كلّها أحاسيس وسلوكيات‬
                                    ‫بين إنكار بعض ما يتصف‬               ‫يخجل الإنسان من اقترانه‬
                   ‫مع ذلك‪.‬‬            ‫به‪ ،‬وادعاء بعض ما ليس‬          ‫بها؛ فلا يجرؤ أن يواجه غيره‬
‫فمن أين نبعت الأزمة؟ ومتي‬            ‫لديه أو ما ليس في إمكانه؟‬           ‫أو نفسه باتصافه بها‪ ،‬أو‬
  ‫بدأت؟ وهل يدرك الكثيرون‬             ‫معظم الناس تردد مقولة‬            ‫حتى بأحدها‪ ،‬ويستحي من‬
                                  ‫«الكمال لله وحده» –على الأقل‬        ‫مجرد التفكير في أن يعترف؛‬
    ‫أنها أزمة من الأساس ثم‬             ‫الناس في الشرق– وربما‬             ‫فهو على استعداد دائم أن‬
    ‫يعترفون بها؟ لماذا يخجل‬           ‫ير ّددون تلك المقولة دون‬          ‫ُينكر ويكابر‪ ،‬وذلك الإنكار‬
‫الإنسان من صفاته التي وجد‬             ‫ت ّف ُّكر في مدلولها المباشر‪،‬‬  ‫وتلك المكابرة دائ ًما ما يثيران‬
   ‫بها ولا شأن له بطبيعتها‪،‬‬
   ‫ولا إمكانياتها؟ لماذا يخاف‬            ‫ومدلولها غير المباشر‬             ‫تساؤلاتي وربما ريبتي‪،‬‬
‫من إعلان خوفه ويخجل منه‬                      ‫المستنتج والأبعد‪.‬‬          ‫فيقفز سؤال إلى الصدارة‪:‬‬
‫وينكره؟! بل لماذا وضع – َم ْن‪،‬‬                                       ‫لماذا يفترض الإنسان في ذاته‬
     ‫لا أدري– الخوف مقاب ًل‬            ‫بالطبع صورة الإله –أ ًّيا‬      ‫عدم النقص؟ لماذا لا يتصور‬
  ‫للشجاعة؟! ثم تفاقم الأمر‪،‬‬             ‫ما كان معتقد الإنسان‬
                                     ‫وتص ّوره عنه– لا شك أنها‬                ‫أن غيره مثله تما ًما؟!‬
     ‫وازداد سو ًءا رغم تن ّوع‬     ‫صورة كاملة القدرات‪ ،‬مطلقة‬                ‫أظن أن جميع الكائنات‬
‫السياقات تاريخيًّا وجغرافيًّا‪،‬‬       ‫الصفات‪ ،‬باعتباره الخالق‪،‬‬         ‫الحية تعيش تب ًعا لإمكانياتها‬
                                  ‫وما دام هو الخالق فيقينًا أنه‬       ‫وطاقاتها‪ ،‬فلم نسمع –مث ًل‪-‬‬
   ‫وبالطبع حضار ًّيا‪ .‬فجميع‬          ‫لا يخاف‪ ،‬ولا يضعف‪ ،‬ولا‬           ‫عن أرن ٍب يطمح إلى أن يسلك‬
   ‫السياقات أرهقت الإنسان‬         ‫يخطئ‪ ،‬ولا يتناقض‪ ،‬وحاشاه‬                ‫مسلك الفهد‪ ،‬أو أ َّن نبتة‬
  ‫إذ لم تكتف بوضع الخوف‬               ‫أن يوصف بعدم الصدق‪،‬‬
  ‫مقاب ًل للشجاعة‪ ،‬بل خيَّرته‬       ‫فكمال صفات الله أم ٌر ليس‬
                                      ‫محل جدال بين المؤمنين‪.‬‬
       ‫بينهما! نعم‪ ،‬دائ ًما على‬       ‫وكل ذي عق ٍل ونصي ٍب لا‬
‫الإنسان أن يحسم موقفه بين‬           ‫بأس به من صحة التفكير‪،‬‬

   ‫الخوف والشجاعة‪ ،‬وكأنه‬                        ‫يتفق مع ذلك‪.‬‬
   ‫لا يحق له أن يجمع بينهما‬            ‫أما المدلول غير المباشر‪،‬‬

     ‫جم ًعا طبيعيًّا ‪-‬غريز ًّيا‪-‬‬         ‫والمستنتج والأبعد في‬
‫كعلاقة النهر والشاطئ مث ًل‪،‬‬           ‫التأويل لمقولة «الكمال لله‬
                                     ‫وحده»؛ فهو أن الإنسان‪/‬‬
   ‫والإنسان المسكين لا حيلة‬           ‫المخلوق محدود القدرات‪،‬‬
      ‫له في ذلك؛ فهو أضعف‬
                                         ‫عادي الصفات ناقص‬
‫بكثير من هذا الاختيار الظالم‬          ‫فيها غير كامل‪ ،‬لذلك من‬
              ‫والأحمق م ًعا‪.‬‬

   ‫إن عدم الإقرار بمشروعية‬
   ‫الخوف‪ ،‬وحق الخوف‪ ،‬بل‬

      ‫احترام الخوف‪ ،‬أصاب‬
‫الإنسان في تصوراته‪ ،‬وجعل‬

   ‫قدراته على التمييز مختلة‪،‬‬
   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167   168