Page 218 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 218

‫العـدد ‪23‬‬                                 ‫‪216‬‬

                                        ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬

 ‫الوج َه المكشوف للإنسان‪ ،‬مقابل‬           ‫ر ّد فعل للنّشوة التّي كانت تملأ‬                             ‫العميقة له‪.‬‬
 ‫استبطانه النّفاق في تعدد أقنعته‪،‬‬                          ‫النّفوس»(‪.)10‬‬             ‫ومن أبرز الأدوات الفنّيّة التّي‬
‫تار ًكا للمتل ّقي حر ّية ضرب الأمثلة‬
                                             ‫إ ّن توظيف الثّنائيّات ال ّض ّد ّية‬         ‫انتقاها العقيلي في تجربته‬
    ‫في نواحي الحياة شتّى‪ ،‬ومن‬              ‫تح ّقق جماليّة الق ّص من خلال‬            ‫القصصيّة؛ كي تح ّقق جماليّات‬
  ‫هنا فقد عكس توظي ُف الثنائيَّات‬          ‫الخروج عن المألوف؛ ذلك لأ ّنها‬            ‫الق ّص هي بروز ثيمات بعينها‬
                                                                                     ‫بدت أ ّنها تمثّل الهاجس الأكبر‬
    ‫ال ّض ّد ّية وع َي القا ّص لتقلبات‬    ‫وليدة اللا تجانس واللا تشابه؛‬            ‫لرسائل العقيلي إلى متل ّقيه‪ .‬ومن‬
      ‫العصر‪ ،‬وموقفه من الحياة‬            ‫من خلال «الخروج بالكلمات عن‬              ‫هذه الثيمات‪ :‬الاغتراب‪ ،‬والهزيمة‪،‬‬
     ‫والكون‪ ،‬وقدرته على التّأثي ِر‬                                                   ‫والقلق‪ ،‬والاستلاب‪ ،‬والفساد‪،‬‬
                                           ‫طبيعتها الراسخة (القاموسيّة)‬             ‫والسخرية‪ ،‬والنفاق‪ .‬وهي تبرز‬
 ‫والإقنا ِع‪ ،‬وذلك لاستدعا ِئه جودة‬      ‫إلى طبيع ٍة جديدة»(‪ .)11‬يقول‪« :‬وفي‬
   ‫القريحة والحذق في قدرته على‬                                                          ‫عن طريق صراع ال ّذات مع‬
                                          ‫هذه المرة اكتشف أنه طوى مئة‬              ‫كينونتها الداخليّة‪ ،‬أو مع المعادل‬
‫أن يؤلّف بين الألفاظ أو التَّراكيب‬        ‫كيلو متر يجوب الشارع نفسه‪،‬‬               ‫المراوغ لشخصيّة القا ّص‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫المتنافرة والمتباينة في سيا ٍق واحد‪،‬‬       ‫نزو ًل وصعو ًدا‪ ،‬جيئ ًة وذها ًبا‪،‬‬
                                                                                     ‫«كن ُت لا أزال في ل ّجة الصدمة‬
     ‫ويعقد بينها معاقد نسب(‪،)14‬‬             ‫دونما غاية»(‪ ،)12‬وهنا قد عبّر‬          ‫حين سبقني إلى المقعد الخشبي‪..‬‬
  ‫بالإضافة إلى قدرته على تكثيف‬             ‫عن حالة التيه وتلاشي الهدف‬               ‫انفصل ُت عني هذه المرة طوي ًل‪..‬‬
 ‫عنصر المفاجأة من خلال خلخلة‬                ‫من خلال بنية التّضاد‪ .‬يقول‪:‬‬            ‫بذل ُت جه ًدا لأتماهى معي مبتل ًعا‬
 ‫بنية التَّوقعات المتش ّكلة عبر مدار‬        ‫«كن ُت ما أحوجني إلى هنيها ٍت‬
‫محدد في ذهن المتل ّقي(‪ ،)15‬فالتَّضاد‬        ‫ألتقط فيها أنفاسـي‪ ،‬فتوقف ُت‬            ‫لساني‪ ..‬تو ّقع ُت ما يهج ُس به‪..‬‬
                                                                                   ‫نه َض بتم ُّه ِل‪ ..‬أخر َج من معطفه‬
      ‫من أهم الوسائل التي تثير‬               ‫أتا ّم ُل العتم َة تضـيء المكا َن!‬
   ‫استفزاز المتل ّقي‪ ،‬وتثير جماليّة‬          ‫كانت جاذبي ٌة من نوع غريب‬                ‫ورق َتين‪ ،‬ألقاهما نحوي‪ ..‬وفي‬
   ‫الق ّص من خلال كسر المألوف‪،‬‬          ‫تقتادني وأنا أتخلّص من ممانعتي‬               ‫الأثناء كان قل ٌق يساورني من‬
                                           ‫لها شـيئًا فشـيئًا!»(‪ .)13‬ويبدو‬          ‫أن يعو َد ويسلِ َبني ما تب ّقى لد ّي‬
           ‫والخروج عن السياق‪.‬‬           ‫واض ًحا توالي الثنائيّات الض ّد ّية في‬        ‫من ور ٍق وكلمات!»(‪ .)8‬حركة‬
   ‫ومن هنا فقد ساهم العقيلي في‬            ‫النّ ّص ال ّسابق «العتمة‪ -‬تضيء‪،‬‬          ‫الانسلاخ هذه بين البطل ونفسه‬
                                        ‫تقتادني‪ -‬ممانعتي»‪ .‬وجاءت هذه‬                  ‫قد دخلت حيّز اللا فعل‪ ،‬وهنا‬
     ‫تكوين الثنائيّات ال ّض ّد ّية من‬       ‫الثنائيّات في سياق ذ ّم القا ّص‬           ‫فقد وقع البطل بين الرغبة في‬
 ‫خلال تقييمه للأحداث؛ م ّما جعل‬                                                   ‫الفعل والإحجام عنه‪ ،‬هذا الصراع‬
 ‫جماليّات الق ّص تتر ّبع على عرش‬
                                                                                       ‫المرافق لجمود الحركة يبرز‬
    ‫مجموعته‪ ،‬عن طريق توظيف‬                                                          ‫تلك الحرفيّة العالية التي يتمتّع‬
   ‫مهارات فنيّة أسعفته في تعميق‬
  ‫أفكاره‪ ،‬والتوضيح للمتل ّقي بأ ّن‬                                                    ‫بها القا ّص‪ ،‬وال ّدقة في تكثيف‬
    ‫العزلة التي ا ّتخذها لبطله‪ ،‬مع‬                                                   ‫الأحداث واختزالها‪ ،‬بغية إبراز‬
                                                                                     ‫ثيمة القلق المصاحب لاستلاب‬
     ‫تغليفها بالرموز والثنائيّات‪،‬‬                                                     ‫الأفكار‪ ،‬علاوة على أ ّنه يرتبط‬
    ‫تكشف عن رغبته بإدلاء رأيه‬                                                     ‫بالمستقبل وبإمكانيَّة تحقيق ال َّذات‬
 ‫بعي ًدا عن سطوة الآخرين‪ ،‬ونقل‬                                                     ‫أو حر َّيتها في اتخاذ القرارات(‪.)9‬‬
  ‫المتل ّقي من الجزء إلى الك ّل‪ ،‬ومن‬
  ‫التّخصيص إلى التّعميم؛ لذا فإ ّن‬                                                      ‫ويتميّز أصحاب هذا النّوع‬
     ‫مجموعة مسافة كافية تمثّل‬                                                          ‫من القلق بـ»أزمة في الإرادة‬
  ‫ق ّمة الجدل في مضمونها المح ّمل‬                                                   ‫وباليأس‪ ..‬وظهر نتيجة لشعور‬
   ‫برفض القائم وإثبات المسكوت‬                                                     ‫الضيق لدى المثقفين‪ ..‬وهو بمثابة‬

                           ‫عنه‬
   213   214   215   216   217   218   219   220   221   222   223