Page 215 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 215

‫‪213‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

‫للتعذيب ولا للإهانات كما تعرض‬       ‫مفهوم الحب ذاته‪ ،‬ويصبح ردي ًفا‬              ‫الحكومة السورية عندما دخل‬
 ‫غيري من المعتقلين»‪ .‬اعتقلت عام‬     ‫للثورة‪ :‬لا أستطيع أن أحب في هذا‬            ‫الجيش السوري إلى لبنان‪ ،‬كان‬
‫‪ 2012‬شه ًرا بسبب ما كنت أكتبه‬                                                ‫شاهر مع المطرودين‪ ..‬ويعود إلى‬
                                      ‫العام حبًّا تقليد ًّيا‪ ،‬لا أستطيع أن‬      ‫سوريا‪ ،‬ومنها يبدأ رحلات ما‬
    ‫على الفيس بوك على صفحتي‬           ‫أحب امرأة تقول حبيبي وكأنها‬           ‫بين الرياض‪ ،‬والأردن‪ ،‬والشارقة‪،‬‬
   ‫من شعر ويوميات أعيشها مع‬           ‫تخـــاطب رجلا «حبّيبًا» كنته‬           ‫يصبح فيها «نجار حديد مسلح»‪،‬‬
  ‫الشعب في سوريا‪ .‬ثم‪ ،‬تعرضت‬         ‫في الســابـق‪ .‬هذا العام ومنذ بدء‬          ‫و»سائق شاحنة تريلا» و»تاجر‬
‫للتهديد بالموت لو استمريت أكتب‬        ‫الثورات العربية والسورية أرى‬
   ‫ضد الحكومة‪ ،‬ولكن لم أتوقف‬           ‫نفسي خائنًا لكل ح ٍّب من ذلك‬              ‫ذهب»‪ .‬وعندما ظن «الشاعر»‬
‫عن الكتابة فهددوني بأن يخطفوا‬         ‫النوع البائد‪ ،‬لا يليق بي كمؤمن‬           ‫أن تيه المنافي قد ولى‪ ،‬انهار كل‬
 ‫ابنتي في الجامعة في دمشق‪ ..‬هنا‬         ‫بهذه الثورات أن أقول لامرأة‪:‬‬          ‫شيء‪ ،‬وفقد كل شيء مع انهيار‬
  ‫بعد هذا التهديد خفت على بناتي‬     ‫حبيبتي العصفورة اشتقت لزقزقة‬             ‫البورصة‪ ،‬ليبدأ من الصفر مجد ًدا‬
 ‫الثلاث فلم أعد أنشر ما أكتب في‬
 ‫الفيس بوك ولا في غيره»‪ .‬حاول‬            ‫صوتك في الصباح‪ .‬يجب أن‬                  ‫بعد ثلاثة عقود من الأسفار‪.‬‬
‫شاهر الخروج من سوريا‪ ،‬فوجد‬          ‫أعيش الحب كما يعيشه المطالبون‬            ‫يعود «شاهر خضرة» الشاعر إلى‬
  ‫أنه ممنوع من السفر‪ ،‬حتى عام‬                                                 ‫سوريا بعد ‪ 33‬عا ًما من الغربة‪،‬‬
  ‫‪ .2013‬وبطريقة ما خرج شاهر‬            ‫بالحرية ورصاص الأمن يطلق‬
  ‫في ‪ ،2014‬ليبدأ رحلة المنافي من‬        ‫على رؤوسهم جها ًرا وخلسة‪.‬‬                  ‫لتقوم الثورة ‪ 2011‬ويطيح‬
‫دولة إلى أخرى‪ ،‬ومن رفض لآخر‪،‬‬        ‫«أيتها الغائبة!‪ /‬إن جاءك خبري‪/‬‬              ‫صاروخ بالعمارة التي يسكن‬
‫ويقع فريسة لتجار تهريب البشر‬           ‫احزني‪ /‬دقي الحزن دقيه‪ /‬في‬            ‫فيها وفيها صيدلية ابنته التي كان‬
  ‫في قوارب الموت‪« :‬تاه القارب في‬    ‫هاون‪ /‬ضعيه في صدرك‪ /‬كحلك‬                 ‫يعمل فيها معها‪ ،‬ويفقد كل شيء‬
   ‫البحر بعد تسعة أيام وبقينا في‬      ‫أنا‪ /‬جري ميل موتي على جفني‬               ‫مجد ًدا‪ .‬ويعود إلى مسقط رأسه‬
 ‫عرض البحر لا نعرف أين نحن‪.‬‬         ‫بكائك‪ /‬فقد يموت الموت‪ /‬وتحييه‬            ‫الناصرية‪ ،‬وتجد أشعاره طريقها‬
‫استمر ذلك ‪ 16‬يو ًما‪ ،‬قضينا أربعة‬                                              ‫إلى حناجر الثوار‪ ،‬ويتم مراقبته‪،‬‬
   ‫أيام دون أكل ودون ماء إلى أن‬                     ‫مدافع الحنين»‪..‬‬          ‫واعتقاله المرة تلو الأخرى‪ ..‬ولكنه‬
   ‫رأينا شاطئًا‪ ،‬وكان مع الأسف‬        ‫تصبح تدوينات الشاعر يوميات‬            ‫أصبح في الخمسين‪ ،‬والثورة ثورة‬
‫الشاطئ الليبي قرب مدينة طبرق‪.‬‬       ‫لأحداث الثورة‪ ،‬وانقطاع الكهرباء‪،‬‬            ‫شباب‪« :‬بعد ثلاث ساعات من‬
  ‫شعرنا باليأس ولكن فرحنا أننا‬                                              ‫المشي مختبئًا في وسط المتظاهرين‪،‬‬
                                        ‫وبيان بحال زخات الرصاص‬
              ‫نجونا من الموت»‪.‬‬        ‫المتواليات‪ ،‬يكتب في ‪ 7‬أغسطس‬                  ‫منخر ًطا في كثافة الشباب‪،‬‬
  ‫ثم تسلل الشاعر شاهر خضرة‬            ‫‪« :2011‬مدن سورية ُتمسك على‬             ‫شعرت بالألم يتسرب إلى ظهري‪،‬‬
   ‫من ليبيا إلى الجزائر‪ ،‬ومنها إلى‬
 ‫المغرب‪ ،‬تحت رحمة المهربين‪ ،‬ثم‬           ‫صوت الرصاص بدل الأذان‬                 ‫وكان عليَّ أن أجد طري ًقا يحفظ‬
    ‫إلى سبتة الإسبانية‪ ،‬ومنها إلى‬   ‫وتفطر على صوته‪ .‬الله حرية أريد‬            ‫انسرابي من المظاهرة‪ ،‬لجأت إلى‬
 ‫مرافئ لا تعرف العربية‪ ،‬لا فارق‬                                              ‫محل‪ ،‬لأبتاع علبة سجائر وبقيت‬
 ‫بين سجن أو مخيمات اللاجئين‪،‬‬          ‫أن أضيف لأسماء الله الحسنى‬
‫فالنفي واقع لا فرار منه ولا يملك‬          ‫اس ًما يليق بنا كبشر أحرار‬             ‫حتى ابتعدت الجموع وصار‬
                                                                             ‫بإمكاني العودة إلى البيت‪ ،‬مررت‬
    ‫التحايل عليه‪ ،‬والشاعر المنفي‬       ‫(إلهي حرية)‪ ،‬وأرجو أن تكون‬
             ‫تحت رحمة الجميع‬            ‫مسجلة لي فلا يسرقها أحد»‪.‬‬              ‫بمجموعات لرجال الأمن‪ ،‬ومن‬
                                        ‫لم يكن شاهر خضرة منحا ًزا‬           ‫خلال نظرتهم إل َّي شعرت بحجمي‬
                                       ‫لأحد‪ ،‬السلطة نفسها تعلم أنه‪:‬‬
                                        ‫«ضد الطائفية وضد الإسلام‬              ‫الحقيقي‪ ،‬إنني لست طريدة لهم‬
                                        ‫السياسي‪ ،‬لذا راهنت السلطة‬              ‫ولا يعني لهم عمري شيئًا‪ ،‬لقد‬
                                       ‫على أن أقف معها‪ ،‬ولكني كنت‬              ‫ظنوا أنني عابر سبيل ليس إلا‪.‬‬
                                         ‫أقف مع سوريا ضد السلطة‬               ‫يختلط عند شاهر خضرة الشعر‬
                                     ‫وضد الإرهاب‪ ،‬ولهذا لم أتعرض‬                ‫بحالة الحراك الدائرة‪ ،‬ويتغير‬
   210   211   212   213   214   215   216   217   218   219   220