Page 211 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 211

‫‪209‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

   ‫موجودة في كل الفصول‪ ،‬فقط‬                    ‫خالد إسماعيل‬                  ‫والجهد ما لم يكن متيس ًرا‪.‬‬
       ‫تتأخر قلي ًل وتخفت لتتيح‬                                                ‫ومن معالم مشروع خالد‬
                                       ‫ل ُتش ّكل حكاية العمل الكبرى‪،‬‬       ‫إسماعيل التشكيلية أي ًضا‪ ،‬هو‬
   ‫لحكاية صاحب العنوان بع ًضا‬      ‫ولتأكيد ذلك اختار أن يعنون كل‬           ‫اعتماده لغ ًة أكا ُد أسميها اللغة‬
     ‫من السطوع‪ ،‬كما أن الحدث‬                                             ‫الخالدية‪ ،‬فهو يكتب بلغة عربية‬
                                       ‫فص ٍل باسم شخصي ٍة ليحكي‬        ‫فصيحة وسليمة‪ ،‬لكنك تحتاج لأن‬
   ‫ممتد ومتواصل ليس فقط لأن‬          ‫حكايتها‪ ،‬وهي تقني ٌة مستخد َم ٌة‬   ‫تدقق في الجملة كثي ًرا لتعرف إن‬
   ‫الحاكي الفاعل في كل الفصول‬       ‫من قبل‪ ،‬ولعل أقر َب نموذج لها‬         ‫كانت عامي ًة أم فصيحة‪ ،‬يطر ُح‬
                                   ‫يقفز بالذاكرة هو نموذج «المرايا»‬        ‫فيها ذا َته المشتملة على روائح‬
     ‫واحد‪ ،‬ولكن لأن كل حيوات‬                                                 ‫أعمامنا وإخوتنا أبناء البيئة‬
     ‫الشخوص متداخلة‪ ،‬يجمعهم‬            ‫للكاتب الكبير نجيب محفوظ‪،‬‬            ‫التي ُتش ّكل عال َمه‪ ،‬حتى لتكاد‬
 ‫العمل الصحفي‪ ،‬وتجمعهم قهوة‬              ‫لكن وللحق‪ ،‬فرواية «قهوة‬         ‫تسمع رنين الأصوات وأنغامها‬
‫الصحافة كما يجمعهم التقاطع مع‬                                              ‫وأنت تقرأ‪ ،‬لا يستخدم المجاز‬
 ‫حياة الراوي‪ ،‬الذي هو بالمناسبة‬    ‫الصحافة»‪ ،‬أحدثت في هذه التقنية‬          ‫ولا التصوير المتعمد إ ّل ناد ًرا‪،‬‬
   ‫هامش ّي في كل الحكايات‪ ،‬وهي‬     ‫تطوي ًرا‪ ،‬دف َع بها لحيز الاختلاف‬   ‫وأظنها إحدى مظاهر تأثره بعمله‬
 ‫طريقة شاق ٌة ومرهق ٌة في قراءتها‬                                         ‫الصحفي‪ ،‬فاللغ ُة نفسها تحمل‬
   ‫فما بالك بكتابتها؟ الاسم الذي‬     ‫الجذر ّي‪ ،‬إذ إن الشخوص هنا‪،‬‬           ‫مجازها وصورها حتى وهي‬
‫هو عنوان لفصل قد يكون الأول‪،‬‬
‫موجود ومؤثر في فصل قد يكون‬                                                                       ‫تقرر‪.‬‬
   ‫الثاني أو الثالث أو السابع‪ ،‬إن‬                                        ‫أ ّما أهم ما يميز عالمه ومشروعه‬
 ‫لم يكن بشحمه ولحمه‪ ،‬فبتأثيره‬
  ‫في تحديد مسار الشخصية التي‬                                                 ‫الروائي في مستواه الأعمق‪،‬‬
                                                                            ‫فهو سعيه لإرجاع ك ّل شيء‬
             ‫يحكي عنها الفصل‪.‬‬
    ‫وليس معنى أن كل شخوص‬                                                      ‫لأصله‪ ،‬إرجاع السلوك إلى‬
     ‫الرواية أو معظمهم من رواد‬                                         ‫مبررات السلوك المنطقية‪ ،‬وإرجاع‬
 ‫المقهى الذي تحمل الرواية اسمه‪،‬‬
 ‫ليس معنى هذا أننا بصدد رواية‬                                                 ‫الانحراف إلى ظروفه التي‬
                                                                           ‫أدت إليه‪ ،‬والتعامل مع النفس‬
                                                                           ‫البشرية بالقبول والاستيعاب‬
                                                                           ‫في كل درجاتها ما بين السم ّو‬
                                                                       ‫والانحطاط‪ ،‬هو فقط يحكي ويترك‬

                                                                                     ‫لك تكوين الموقف‪.‬‬
                                                                       ‫وفي روايته «قهوة الصحافة» أجد‬

                                                                           ‫خالد إسماعيل‪ ،‬يواصل إعلاء‬
                                                                           ‫مشروعه وإيضاح خصائصه‬
                                                                         ‫وتعميق طرحه للرؤى‪ ،‬فالرواية‬

                                                                             ‫تحتشد بالشخوص‪ ،‬لدرجة‬
                                                                       ‫يصع ُب متابعتها إلا بانتبا ٍه شديد‪،‬‬

                                                                            ‫وشخوصها ليست ُمح ِّركات‬
                                                                       ‫للحدث ولا هي تملأ فضاء الرواي ِة‬
                                                                       ‫فحسب‪ ،‬ولكنها تتجاور بحكاياتها‬

                                                                            ‫الخاصة‪ ،‬وتتماس وتتقاطع‪،‬‬
   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215   216