Page 208 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 208

‫العـدد ‪23‬‬                          ‫‪206‬‬

                                  ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬

      ‫الحروب الحالية وأحوالهن‪،‬‬      ‫المرأة ان أصبحت فأ ًسا ستشق‬      ‫بربابة هوية من هويات السودان‬
     ‫المحاربات القديمات‪ ،‬الرضية‬     ‫أنها ًرا للحكمة والوعي‪ ،‬وتفارق‬                         ‫المتعددة‪:‬‬
 ‫المعتقة بسيرة الجسارة وتصهل‬       ‫تلك الصورة النمطية عن النساء‪.‬‬
      ‫حين تشتاق مثل فرسها في‬      ‫رواية المحارب القديم وكان لها أن‬      ‫«أين انت أيتها الحقول الغضة‬
  ‫رحى الحروب‪ ،‬التحريرـ تحرير‬        ‫تكون المحاربة القديمة‪ ،‬المحاربة‬                    ‫التربة البتول‬
 ‫البلاد هو تحرير النساء‪ .‬تسألني‬   ‫الجسورة‪ ،‬فالرضية ليست سوى‬
     ‫الرضية بقسوة عن مشاركة‬        ‫شاهندا في روايته (حكاية مدينة‬             ‫الجبل الضارب في رحم‬
‫النساء بعد انتصار ثورة ديسمبر‪،‬‬                                                     ‫السماوات» (ص‪)56‬‬
     ‫لم تتركني في حالي وعصفت‬           ‫واحدة) في الصلابة‪ ،‬وليست‬
                                   ‫سوى وجه الكنداكات في التاريخ‬       ‫اللغة الفصيحة وأسماء الأماكن‬
       ‫اسئلتها التي تشبه تمردها‬                                         ‫والنباتات والحيوانات أشجت‬
    ‫بذهني‪ .‬أسئلة الراهن‪ ،‬سوبا‪،‬‬         ‫القديم‪ ،‬ولكن التاريخ الجديد‬
    ‫صراع الهويات والخروج من‬            ‫والحاضر الذي سيكتب غ ًدا‪،‬‬       ‫يومي بالبحث عنها بمتعة طفلة‬
                                      ‫التاريخ الذي همش النساء بل‬       ‫لم تعرف سوى حكايات فاطمة‬
         ‫ثنائية الغابة والصحراء‪.‬‬     ‫وسكت عن جسارتهن التي لم‬          ‫السمحة والغول‪ ،‬وهنا أعرف أن‬
     ‫النساء المعطونات في الحكمة‬       ‫تكف عن الصعود بنا إلى قمة‬
     ‫والجسارة‪ .‬سوبا لم تخربها‬          ‫هدير الثورات‪ ،‬ولنا في ثورة‬       ‫هناك حكايات الرضية وكاقو‬
                                       ‫ديسمبر ‪ 2019‬مثا ًل مضيئًا‬           ‫وأعنابها‪ .‬الرواية تحريض‬
        ‫عجوبه كما في الأسطورة‬       ‫يمتد منذ بت مندى وأماني وكل‬
    ‫السودانية‪ ،‬فشاهندا في رواية‬        ‫الكنداكات التي ساهمت هذه‬        ‫لنسج حكايات وأحاجي ترسخ‬
   ‫الروائي (حكاية مدينة أخرى)‪،‬‬     ‫الرواية وروايته الأخيرة (حكاية‬    ‫للسلام بد ًل عن الحروب والعنف‬
     ‫الوجه المتخيل لامرأة حكيمة‬
                                         ‫مدينة واحدة) في استعادة‬                         ‫والكراهية‪.‬‬
            ‫لإدارة شئون البلاد‪.‬‬                         ‫أمجادهن‪.‬‬           ‫لغة الرواية عالية وشفافة‬
  ‫الحرب لا تخمد‪ ،‬وهاجو يسعى‬                                           ‫وأشبه بالملحمة‪ ،‬تسبر الصدور‬
                                      ‫«كاقو هي من أخذت بيدي في‬         ‫لتتعافي كما فعل الفكي هارون‬
       ‫ليحارب ثم ينتظر الرضية‬      ‫عوالمي النورانية الجديدة»‪( .‬ص‪)29‬‬    ‫مع هاجو‪ ،‬وفي كل كلمة معاني‬
    ‫بغنائمها‪ ،‬الرضية إنسانة‪ ،‬لها‬                                      ‫عميقة كلما أعدت قراءاتها عدت‬
  ‫أشواقها واشتهاءاتها في الحرب‬           ‫«ماريا التي تضرب الطبل‬       ‫مترعة بالخيالات وفائرة الأنهار‬
 ‫والسلم‪ ،‬توهج عينيها في الحرب‬       ‫وترقص حتى فيوضات الروح‪،‬‬             ‫بالخصوبة‪ .‬لغة تكتشف فيها‬
   ‫يضيء دور النساء في الحروب‬                                            ‫شاع ًرا مختبئًا وراء الروايات‪،‬‬
   ‫القديمة والجديدة‪ ،‬فمن قال إن‬       ‫فهل عادت روحها واغنياتها؟‬      ‫ومع ذلك فشاعرية اللغة لم تفعل‬
‫النساء للسلم لمجرد نوعهن؟ ولكن‬         ‫(عودي يا براءتها‪ ،‬عودي يا‬       ‫سوى صلصلة الروح وإضاءة‬
‫الرضية في حربها تسعي للتحرير‬                                            ‫مجاهل النفس‪ ،‬وتجعل أسئلة‬
‫فتتوهج عش ًقا وول ًها في الحروب‪،‬‬                 ‫أغنياتها)»‪( .‬ص‪)55‬‬       ‫الوعي صاحية بقسوة حنينة‬
‫حروب لا تطفئ أوار ذكراها المُرة‬    ‫ربابة‪ ،‬طبل نحاس‪ ،‬جبل والنساء‬      ‫حتى نهايات الرواية‪ ،‬فهل انتهت‬
‫دموع أمهات الشهداء والشهيدات‪.‬‬                                        ‫الرواية فعليًّا؟ هل بدأت من جديد‬
 ‫الحرب القديمة الجديدة المستمرة‬          ‫العظيمات في سيرة أحوال‬       ‫حلزونية لحروب جديدة أم أمل‬
 ‫المعلنة والمسكوت عنها‪ .‬استخدام‬      ‫المحارب‪ ،‬الرضية الباسلة التي‬       ‫أن تكف حروب البلاد وتعمر‬
                                    ‫تعشق أدوات حربها وتنحاز إلى‬
        ‫سياسة التغييب وتشويه‬          ‫أشواق أنوثتها‪ ،‬الرضية التي‬                          ‫بالسلام؟‬
‫الميثولوجيا وعوالمها الساحرة‪ .‬أي‬     ‫تشبه شاهندا في (حكاية مدينة‬
                                  ‫واحدة)‪ .‬الانحياز الواضح للنساء‪.‬‬         ‫نساء الرواية‬
  ‫أحوال لمحارب قديم تحيلني إلى‬     ‫أغمض عيني فاصحو على رائحة‬
‫السياسي الراهن وإلى غزالة بريئة‬                                          ‫أحوال المحارب القديم صوت‬
                                         ‫أعناب كاقو‪ ،‬أصحو فتأتي‬              ‫(نسوي)‪ ،‬فضاء للنساء‬
    ‫ذبحت لأجل (المجاهدين)؟ أي‬         ‫الرضية تسألني عن مشاركة‬
                                       ‫النساء في عمليات السلام في‬      ‫ولهمومهن التي لا تنفصل من‬
                                                                         ‫هموم البلاد‪ ،‬رواية قالت إن‬
   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213