Page 203 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 203
لم يكن التضييق على الفلاسفة نتيجة ُيع َرف عنه الاشتغال بالفلسفة،
قرار سياسي أو عداء فكري ،بل كان بل إن الإمام محمد عبده في
اتجا ًها شعب ًّيا بامتياز .فقد كانت
النصف الثاني من القرن التاسع
الفلسفة في العالم العربي في محنة عشر كان يبحث عمن يتلقى عليه
حقيقية في الشرق والغرب ،فبعد أن
أثمرت جهود علماء الدين في محاربة شيئًا من تلك العلوم ولم يجد،
أهل الفلسفة أصبح رجم المشتغلين حتى وصل جمال الدين الأفغاني
بالفلسفة ،وحرق كتبهم في الأسواق
والميادين ،وتكفيرهم أو تفسيقهم، إلى مصر ،فدرس عليه عد ًدا
من العلوم المعاصرة بالإضافة
عادة شائعة ومنتشرة بين العوام للفلسفة والمنطق ،فتك ّونت لديه
عقلية مختلفة تما ًما عن تلك التي
لا يثير حفيظة الجماهير ،أو يقلق «موجز الفلسفة اللبنانية» ،ثم كانت للشيوخ في زمنه ،وقد بدأ
سلامهم الفكري .فأصبحت رواية المفكر الماركسي الدكتور حسين بنفسه في تدريس بعض كتب
واحدة ذات طابع رمزي وفلسفي المنطق التي لم يكن ُيد َّرس مثلها
لنجيب محفوظ تكفي كي يتعرض ُمر َّوة (1987م) والذي كانت بالأزهر الشريف في ذلك الوقت
كتاباته تثير الجدل وتؤثر في مما أثار حفيظة بعض زملائه
للاغتيال ،وكتاب واحد لنصر قطاعات كبيرة من جيل الشباب. الذين رأوا في ذلك تهدي ًدا خطي ًرا
حامد أبو زيد يكفي كي يتهم كذلك لقى الدكتور فرج فودة في
بالكفر ،ويصدر حك ًما بالتفرقة مصر نفس المصير الحزين عام للدين ولإيمان الطلاب.
بينه وبين زوجته! فض ًل عن 1992م بعدما صدرت فتاوى وقد شهد القرن العشرين مواقف
المحاكمات التي ُتقام تحت ضغوط متعددة بتكفيره ممن ينتمون
شعبية لبعض الكتاب والروائيين لتيارات دينية بعضهم أكاديميين مؤسفة عاشها مفكرون أو
ممن أثارت كتاباتهم «السلام فلاسفة عرب ومسلمون تدل
الاجتماعي» و»ك َّدرت الأمن العام» وأزهريين للأسف. على نظرة الناس عندنا للفلسفة
واتسمت «بازدراء الأديان» .أما هذه مجرد أمثلة على محاولات والتفكير ال ُحر .فالدكتور علي
التهديدات التي تصل للفلاسفة الاغتيال المادي أو المعنوي (التي الوردي في العراق بعد أن نشر
والمفكرين عمو ًما فقد أصبحت نجحت أو التي فشلت) للفلاسفة كتابه «وعاظ السلاطين» تم
والمفكرين العرب الذين حاولوا القبض عليه و ُحبس لثلاثة أيام،
جز ًءا من روتينهم اليومي. أن يعبروا عن آراء مخالفة لما وقد بررت السلطات أنها فعلت
فإذا نظرنا إلى تدريس الفلسفة في هو راسخ منذ قرون في العقل ذلك حماية له وحفا ًظا على حياته
العربي .فض ًل عن صور الرقابة
العالم العربي فسنجد أنه يدخل الشعبية والقانونية على كل ما من الغوغاء والرعاع الذين
في نطاق المحظورات والمنكرات ُيكتب أو ُينشر ،والتأكد من أنه يريدون الانقضاض عليه والفتك
في العديد من الدول العربية، به بعد ما كتبه في هذا الكتاب.
وقد أكد الدكتور الوردي ذلك في
كتابه التالي بعدما ذكر محاولات
إرهابه وترويعه بسبب آرائه التي
يرى المتشددون أنها تمثل تهدي ًدا
للعقيدة الحقة والدين القويم.
وقد نجح المتشددون في لبنان
فيما فشلوا فيه في العراق ،حيث
اغتالوا عام 1976م الفيلسوف
كمال يوسف الحاج صاحب كتاب