Page 202 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 202
العـدد 23 200
نوفمبر ٢٠٢٠
سجنهم بتهمة الفلسفة ،وكانت ب ُكفر». المنطقيين :نصيحة أهل الإيمان
العامة تلعن من ُيد ِّرسها .ولعل ولم يكن ذلك التضييق على في الرد على منطق اليونان) ،وقد
ذلك ما جعل ابن خلدون ُيخفي الفلاسفة نتيجة قرار سياسي أو
اهتمامه بالفلسفة -كما لاحظ عداء فكري ،بل كان اتجا ًها شعبيًّا ذكر في فتاويه أن المشتغلين
الدكتور علي الوردي -حيث امتنع بامتياز .فقد كانت الفلسفة في بالمنطق ينقصهم العلم الصحيح
عن ذكر مؤلفاته الفلسفية التي العالم العربي في محنة حقيقية في
كتبها في المرحلة المبكرة من حياته الشرق والغرب ،فبعد أن أثمرت فيلجؤون للمنطق ليسدوا به
خو ًفا من أن يتهمه العامة بأنه جهود علماء الدين في محاربة أهل عجزهم ويخفوا به جهلهم،
فيلسوف .وقد نال المنطق ما نال الفلسفة أصبح رجم المشتغلين وأنكر أ ْن تكون دراسته «فرض
الفلسفة ،حيث أصبحت العبارة بالفلسفة ،وحرق كتبهم في كفاية» حتى ،وأضاف قائ ًل:
المشهورة (من تمنطق فقد تزندق) الأسواق والميادين ،وتكفيرهم أو «ما زال علماء المسلمين وأئمة
قانو ًنا عا ًّما غير قابل للنقد أو تفسيقهم ،عادة شائعة ومنتشرة الدين يذمونه ،ويذمون أهله،
المراجعة .والعجيب في الأمر أن بين العوام ،حتى أن الفيلسوف وينهون عنه وعن أهله ،حتى
السلفية والصوفية ،مع ما بينهما أبو بكر بن باجة قد دعا الفلاسفة رأيت للمتأخرين ُفتيا فيها خطوط
من عداوات واتهامات في العقيدة، إلى اعتزال الناس .وقد كرر ابن جماعة من أعيان زمانهم من أئمة
قد اتفقا على معاداة الفلسفة فألف رشد نفس الفكرة لكن بصيغة الشافعية والحنفية وغيرهم فيها
عدد من علماء التيارين -كابن مختلفة ،حيث رأى أن الفلسفة لا كلام عظيم في تحريمه ،وعقوبة
تيمية والغزالي والسهرودي وابن تصلح لمخاطبة العامة ،وأ َّن العوام
الجوزي وجلال الدين السيوطي- لا ينفعهم سوى الدين فقط .وبهذا أهله».
كتبًا في نقد الفلسفة ومهاجمة أصبحت الفلسفة حبيسة الكتب وفي المجمل كانت الفلسفة في نظر
أصحابها حتى بات ذكر الفلسفة وحبيسة العقول التي ُتنتجها،
وأصبح تهمة التفلسف جاهزة علماء الدين شر محض ،وأنها
أم ًرا ُيتعوذ منه! لأي عالم أو مفكر مغضوب عليه، بدعة مذمومة جاءت إلينا من بلاد
قد يظن القارئ أ َّن ما سبق ذكره فكانت تحدث مداهمات ومصادرة
أم ٌر قديم ،وأن الحال قد تغيرت للكتب وحرقها ونفي أصحابها أو اليونان لتهدد عقيدتنا وديننا.
إلى الأفضل بعد ذلك ،وأ َّن الفلسفة وقد أصبحت الفلسفة في الفترة
والمنطق في عالمنا العربي قد نالا المتأخرة من قرون التفكير العربي
ما يستحقانه من التقدير وصمة عار لمن يمارسها ،وأصبح
والاعتناء ،لكن الحقيقة أن علماء الدين يصفونها «بالعلوم
الوضع لم يتغير كثي ًرا، المهجورة» ،وبأنها «حكمة مشوبة
فمنذ وفاة ابن رشد لم
يظهر فيلسوف عربي
كبير ،وبدأت دراسة
الفلسفة والمنطق تضمحل
على أثر النقد الشرس
الذي ُو ِّجه لهما من علماء
الدين كالغزالي وابن
تيمية وغيرهما ،فض ًل
عن الاعتداءات التي كان
يقوم بها العوام على من