Page 201 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 201

‫‪199‬‬         ‫ثقافات وفنون‬

            ‫رأى‬

‫على الوردي‬  ‫فرج فودة‬               ‫الإمام محمد عبده‬                        ‫والشتم والتحقير أحيا ًنا‪ ،‬من‬
                                                                           ‫هؤلاء وأولئك على ح ٍد سواء‪.‬‬
   ‫الحيرة والضلال‪ ،‬ومثار الزيغ‬             ‫محبو ًسا بداره بمراكش‪.‬‬           ‫يقول الإمام الحافظ الذهبي‬
   ‫والزندقة‪ ،‬ومن تفلسف عميت‬            ‫وقد كان الهجوم على الفلسفة‬         ‫في كتابه المشهور « ِسي ُر أعلام‬
   ‫بصيرته عن محاسن الشريعة‬                                                ‫النبلاء» في وصف الفيلسوف‬
    ‫المؤيدة بالبراهين‪ ،‬ومن تلبس‬          ‫وأهلها‪ ،‬والطعن في دين من‬
   ‫بها‪ ،‬قارنه الخذلان والحرمان‪،‬‬      ‫يمارسها‪ ،‬والتشكيك في مروءته‬              ‫الكبير يعقوب بن إسحاق‬
 ‫واستحوذ عليه الشيطان‪ ،‬وأظلم‬        ‫وأخلاقه يتخذ عدة صور‪ :‬فهناك‬         ‫الكندي إنه كان « ُمته ًما في دينه‪،‬‬
    ‫قلبه عن نبوة محمد صلى الله‬         ‫أسلوب النقد الفلسفي والعقلي‬
                                                                          ‫وبخي ًل‪ ،‬وساقط المروءة»‪ .‬أي‬
      ‫عليه وسلم»‪ .‬وقد كان ابن‬            ‫كالذي قدمه الإمام الغزالي‪،‬‬        ‫أ َّن عامة الناس كانت تشكك‬
   ‫الصلاح يرى أ َّن المنطق لا يقل‬        ‫حيث درس الفلسفة وعرف‬               ‫في دينه وتراه كاف ًرا لأنه‬
    ‫ش ًّرا عن الفلسفة «فهو مدخل‬      ‫أصولها ومباحثها قبل أن يوجه‬
                                       ‫نقده للأفكار الفلسفية‪ ،‬فكانت‬           ‫يشتغل بالفلسفة وله‬
     ‫الفلسفة‪ ،‬ومدخل الشر شر‪،‬‬             ‫مساهماته النقدية جز ًءا من‬       ‫مقالات تخالف العقيدة‪.‬‬
 ‫وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه‬       ‫تاريخ الفلسفة العربية‪ ،‬وإن كان‬       ‫وقد ُذكر أ َّن «العلماء قد‬
  ‫مما أباحه الشارع»‪ ،‬واعتبر أ َّن‬     ‫ذلك لا يمنع أنه كعالم دين قام‬     ‫اتفقوا على ُكفر الفارابي‬
  ‫استعمال الاصطلاحات المنطقية‬       ‫بتكفير وتفسيق الفلاسفة بسبب‬           ‫وزندقته»‪ ،‬وقد قال‬
 ‫في مباحث الأحكام الشرعية من‬        ‫بعض مقالاتهم التي رآها تخالف‬        ‫فيه ابن تيمية مقالات‬
  ‫المنكرات المستبشعة‪ ،‬والرقاعات‬        ‫صحيح الدين‪ .‬وهناك أسلوب‬             ‫منكرة‪ ،‬منها قوله‬
                                       ‫السب والشتم والحط من قدر‬           ‫أنه ‪-‬أي الفارابي‪-‬‬
       ‫المستحدثة‪ ،‬وادعى أنه من‬     ‫الفلسفة ومن يشتغلون بها كالذي‬
‫الواجب على السلطان أن يدفع عن‬         ‫انتهجه بعض علماء الدين ممن‬            ‫على طريقة سلفه‬
‫المسلمين شر المشتغلين بالفلسفة‬     ‫يرون ضرورة الابتعاد عن دراسة‬       ‫‪-‬أرسطو‪ -‬في الكفر بالله‬
                                   ‫الفلسفة والمنطق ككل لخطورتهما‬
 ‫والمنطق‪ ،‬ويخرجهم من المدارس‬        ‫على إيمان المسلم‪ ،‬فالمحدث الكبير‬     ‫تعالى وملائكته وكتبه‬
                      ‫ويبعدهم‪.‬‬        ‫ابن الصلاح يقول في الفلسفة‪:‬‬         ‫ورسله واليوم الآخر‪.‬‬
                                   ‫«هي أُس السفه والانحلال‪ ،‬ومادة‬        ‫وقد تكرر نفس الأمر مع‬
      ‫من ناحية أخرى اعتنى ابن‬                                         ‫سائر فلاسفة الإسلام كابن‬
‫تيمية بنقد المنطق وتفنيده‪ ،‬وألف‬                                          ‫سينا‪ ،‬وابن الهيثم‪ ،‬وابن‬
                                                                          ‫رشد‪ ،‬فهذا الأخير رغم‬
     ‫فيه كتابه الشهير (الرد على‬                                           ‫تمكنه من علوم الدين‪،‬‬
                                                                        ‫ومكانته كقا ٍض كبير في‬
                                                                        ‫قرطبة‪ ،‬فقد ُحرقت كتبه‬
                                                                          ‫و ُن ِفي من الأندلس إلى‬
                                                                        ‫المغرب‪ ،‬وقد قال الرحالة‬
                                                                      ‫الشهير ابن حمويه إن ابن‬
                                                                       ‫رشد كان منبو ًذا في بيته‬
                                                                      ‫بأمر الخليفة لا يدخل إليه‬
                                                                          ‫أحد‪ ،‬لأنه منسوب له‬
                                                                        ‫أقوال ِر ّدية‪ ،‬وقد‬
                                                                         ‫مات‬
   196   197   198   199   200   201   202   203   204   205   206