Page 197 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 197

‫‪195‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رأى‬

 ‫تصون استقلالية المحاكم‪ ،‬وحق‬          ‫الملك‪ ،‬وكما نصت المادة السابعة‬      ‫شكيم إلى تشكيل الوزارة بينما‬
     ‫كل إنسان بالدفاع عن نفسه‬                      ‫في دستور ‪1920‬؟‬            ‫انصرف هشام الساجي إلى‬

 ‫أمامها‪ ،‬وتمنع تأليف محاكم غير‬          ‫«تلك الأسئلة أطلقت حماسته‪،‬‬      ‫دستور المملكة السورية‪ ،‬يستنبط‬
‫المحاكم القانونية‪ ،‬أو تأليف لجان‬        ‫فما عاد يدقق فيما ينقل وفيما‬       ‫منه ما سوف يحض عليه منذ‬

    ‫تقضي كما المحاكم‪ ،‬إلا لجان‬            ‫يضيف‪ .‬كان يكتب وحسب‪،‬‬          ‫العدد الأول من الجريدة (سيكون‬
  ‫التحكيم‪ .‬لكن الاضطراب عاوده‬              ‫فيجعل السوريين في المادة‬         ‫اسمها‪ :‬ألف ياء)‪ ،‬ليكون دليل‬
                                        ‫العاشرة متساوين في الحقوق‬         ‫حكومة الأفق الجديد‪ ،‬بالأحرى‬
    ‫وهو يقرأ في الدستور القديم‪:‬‬             ‫والواجبات‪ ،‬ويعلي الحرية‬        ‫ليكون الدستور المأمول‪ .‬ولئن‬
   ‫المحاكمات تكون علنية‪ ،‬ما عدا‬             ‫الشخصية فوق التعديات‬            ‫كانت عيني على دستور جديد‬
    ‫المحاكمات التي يجيز القانون‬           ‫والتجاوزات‪ ،‬يحرم في مادة‬        ‫لسورية‪ ،‬وأنا أكتب قبل ثلاثين‬
‫جعلها سرية‪ .‬وخاف من أن يكون‬              ‫خاصة التعذيب والأذية مهما‬
‫هذا القانون الذي يلح عليه ذريعة‬           ‫كانت الأسباب‪ ،‬ويشدد على‬       ‫سنة ونيف حفرية هشام الساجي‬
                                           ‫صيانة المعتقدات والديانات‬        ‫في دستور ‪ ،1920‬فمن أس ٍف‬
     ‫أي ًضا لسواه‪ ،‬كي يجعل تلك‬        ‫والمساكن وأموال الأفراد وأموال‬          ‫والتيا ٍع أن ذلك صار اليوم‬
‫المواد حب ًرا على ورق‪ .‬وتوقف عن‬        ‫الحكومة‪ .‬ولما شرع يكتب المادة‬
 ‫الكتابة ذلك النهار‪ ،‬ثم تابع دون‬        ‫الخاصة بالمطبوعات خيل إليه‬       ‫الأولوية التي لا يبدو أن لتعطيل‬
‫أن تهدأ وساوسه‪ ،‬حتى إذا وصل‬              ‫أن جريدته تملأ أرض الغرفة‬         ‫النظام والمعارضات لها‪ ،‬نهاية‪.‬‬
                                            ‫وجدرانها وأيدي الصبيان‬               ‫يبدل هشام الساجي في‬
    ‫إلى المادة أربعين‪ ،‬رمى بالقلم‬       ‫وواجهات المكتبات‪ .‬جاءت تلك‬
    ‫جانبًا‪ ،‬وكانت المادة تقول‪ :‬إذا‬    ‫المادة كما هي في الدستور الملكي‬    ‫(استنباطه) كلمة المملكة في المادة‬
‫ظهر في أحد أنحاء المملكة ‪-‬قرأها‪:‬‬      ‫حرفيًّا‪ :‬المطبوعات حرة في ضمن‬       ‫الأولى من دستور ‪ 1920‬بكلمة‬
     ‫الجمهورية‪ -‬ثورة أو دخلت‬         ‫دائرة القانون‪ ،‬ولا يجوز تفتيشها‬       ‫الجمهورية‪ ،‬وكلمة الملك بكلمة‬
‫الحكومة في حرب أو أعلنت النفير‬        ‫ومعاينتها قبل الطبع‪ .‬أعاد قراءة‬     ‫الرئيس –كم كان متفائ ًل إذن!!–‬
  ‫العام‪ ،‬فللحكومة العامة أن تعلن‬     ‫المادة مرا ًرا وهو يتوقف عند كلمة‬       ‫ويقرأ بعد التبديل ما صارت‬
   ‫الأحكام العرفية مؤقتًا بموجب‬      ‫القانون‪ ،‬ورأى نفسه يعود إلى ما‬           ‫عليه تلك المادة‪« :‬إن حكومة‬
                                     ‫كتب‪ ،‬إذ اشترط ما يحدد القانون‬           ‫الجمهورية السورية العربية‬
                ‫قانونها الخاص‪.‬‬            ‫لدخول المساكن أو تفتيشها‪،‬‬        ‫حكومة جمهورية مدنية نيابية‬
  ‫عندئ ٍذ أح ّس أنه لن يكون قاد ًرا‬                                       ‫عاصمتها دمشق ودين رئيسها‬
‫الآن‪ ،‬ولا وحده‪ ،‬على أن يخرج بما‬                            ‫ولتوقيف‬        ‫الإسلام»‪ .‬وتروي (بنات نعش)‬
                                                           ‫الناس أو‬      ‫في الصفحتين (‪ )627 -626‬أن‬
                                                            ‫الإخلال‬
                                                       ‫بالأمن العام‪،‬‬    ‫هشام الساجي قد تجاوز المادتين‬
                                                          ‫فاضطرب‪،‬‬         ‫الرابعة والخامسة من الدستور‬
                                                        ‫وغمض عليه‬        ‫الأول‪ ،‬واجتاحه إحساس غامض‬
                                                        ‫الأمر‪ ،‬ولعله‬       ‫وهو يتأمل الفارق بين الأمس‬
                                                          ‫لذلك انتقل‬     ‫(‪ )1920‬واليوم (‪– )1928‬فكيف‬
                                                        ‫إلى ما يخص‬        ‫بنا إذن بعد مئة سنة!– ويوشك‬
                                                            ‫القضاء‪،‬‬      ‫أن يقبض على التاريخ بأصابعه‪،‬‬
                                                         ‫يطمئن على‬         ‫إذ كيف يمكن أن يورث الباشا‬
                                                          ‫المواد التي‬    ‫أو سواه‪ ،‬ممن سيكون رئي ًسا في‬
                                                                         ‫المرحلة القادمة‪ ،‬ذك ًرا من صلبه؟‬
                                                                           ‫وكيف يمكن أن يكون الرئيس‬
                                                                         ‫محتر ًما وغير مسؤول‪ ،‬كما كان‬
   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202