Page 207 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 207
205 ثقافات وفنون
كتب
صوفية ،وترحالي الراكض مثل الاكتشاف .طقوس الفكي هارون جعلت البلاد في خرائب دائمة،
جواد الرضية في حروبها لأجل
التحرير ،ماضية في ذات الصوت وبناته الثلاث والرضية ،وانحياز رواية تضيء السياسي بلغة
القديم بعد الاستقلال (هذا أوان
التحرير وليس التعمير) يقول الرواية للنساء وإبراز جسارتهن ،عذبة ،تذهب بعي ًدا في آبار الروح
السياسي ،وتلذع رواية المحارب وعيهن وعشقهن وتنهداتهن في القصيةُ ،تطمئن من مخاوفها
القديم القلب والعقل ،وتصدح دروب المعارك والإخلاص للحياة .بغيبيات إحدى الشخصيات
أن التعمير أساس التحرير ،تفتح جبل (موية) الذي وقف فيه قطار المحورية في الرواية -الفكي
أبوا ًبا للتفكير والعصف الذهني في هارون -لتسكت أسئلة الإفقار
شأن حروبنا الطويلة التي يغار نيالا المتجه الى غرب السودان
النيل منها ،وفاض غام ًرا الأخضر عبر مدينة كوستي كان يثير ف َّي والتجويع وسياسات التنمية التي
مشاعر غريبه ،لم أجد لها تفسي ًرا جعلت المحارب القديم يعود أكثر
واليابس ،الناس وأحلامهم منذ كنت في يفاعة الطفولة ،إ َّل شراسة في المحاربين الجدد.
وتفاصيلهم الصغيرة. بعد قراءة رواية (أحوال المحارب مخيلة ثرة ومترعة بالعذوبة،
دفء التفاصيل سحر غرائبها،
اللغة القديم) ،فرأيتني في فتينا ،في
ماريا ،لاري وكاقو ،كأني رأيت لولبية الحكي التي تعكس لولبية
لغة آسرة ،غنية( ،تدوخ) من فرط الحروب في السودان ،حروب
جمالها وعمقها .أسماء لنباتات الكلبة التي جعل الراوي لها
وأشجار وحيوانات موغلة في صو ًتا ،ولبقية الطيور ،وللأعناب التحرير ،المفاهيم والمسكوت عنه
في حروبنا القديمة والمنسية، فواح لم ينفك عن أنفي حتى
الذاكرة الجمعية القديمة ،النعامة،
ما إن يظفر بها وترفع رأسها اللحظة .مثل هذه الرواية صعب دلالات الميثولوجيا التي أخذت
مساحة تعادل مساحة حروب
المدفون في الرمال حينها نكتشف تفكيكها من أول قراءة ،لأنها
سر الراء المحشورة بين حروف أسباب للمتعة ،متعة الاكتشاف التحرير ،كلها منحتني فضاءات
عادت بي إلى أمكنة ظننت أني
الـ(حرب). واستحضار أرواح تنتفض في
لغة تشبه بساطة الماء رغم أحوال المحاربين (الجدد) على مر أعرفها ،ولكني عدت بجهلي
تعقيدات أحوال المحارب ،لغة لمعرفة التاريخ الحقيقي المنحاز
طفولة ،لذا لم أندهش تاريخ السودان.
من أن هناك مقاطع جبل (موية) في الواقع غيره في للعوالم التحتية التي لم تنفك عني
من الرواية تصلح أن الواقع المتخيّل ،رأيتها في الواقع في حلي وأنا أعيد قراءة بعض
تكون حكايات للأطفال أرض قاحله ولكنها ثرية بالبيوت المقاطع التي أشبه بالموسيقا،
لما فيها من خصوبة وأهلها الذين أفقرتهم سياسات أشبه بانسراب الروح في ترانيم
للخيال والدهشة« :كنت
تلك الأيام أطل من عين ّي التنمية غير المتوازنة ،فكانت تلك
ماريا ،ألوح بقسماتها النواحي في الرواية أكثر جما ًل
وأمتزج بدمائها ،لكنها
كانت لا تزال ماريا لمعادلة الواقع المرير.
القديمة ،عازفة الربابة،
صانعة الغناء»(ص)82 الواقع السياسي
جمال لغة يمتزج
والتنموي ،حينها
تطل الخرافة ،محاولة
لتغييب الوعي محاولة
الانفلات من كل
أشكال القلق والحيرة،
الحب والعنف،
التمرد والحرب
والكراهية ،حروب
الحسن بكرى الثروة والسلطة التي