Page 217 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 217

‫‪215‬‬           ‫ثقافات وفنون‬

              ‫كتب‬

                                             ‫مكثّف ًة متماسك ًة غير‬                  ‫ف ٌّن سه ٌل لا يحتاج لمجهو ٍد كبي ٍر‪،‬‬
                                                                     ‫مترهل ٍة(‪.)6‬‬     ‫وقد رسخ في بعض الأذهان أ ّن‬
                                                               ‫من أجل ذلك كلّه‬         ‫كاتبها لا ينفق في تأليفها أكثر‬

                                                               ‫تع ّد قصص العقيلي‬       ‫مما ينفقه القارئ في مطالعتها‪،‬‬
                                             ‫مشروع حل ٍم لمبدعها؛‬
                                                               ‫فهي تص ّور جانبًا‬         ‫كما أ ّن شيوعها في ال ّصحف‬
                                                                ‫من انحدار القيم‬       ‫والجرائد والمج ّلت جعلها تبدو‬

                                              ‫الإنسانيّة‪ ،‬وترصد‬                          ‫للكثيرين وكأ ّنها ف ّن للتّسلية‬
                                             ‫الواقع المعاصر ال ّذي‬                     ‫لتمضية وقت الفراغ‪ ،‬وبال ّطبع‬
                                                               ‫يرفض التّغيير‪،‬‬           ‫تتّصف هذه النّظرة بالتّعسف‬

                                                               ‫ومن خلال نبوءات‬          ‫ومجافاة الواقع‪ ،‬إذ إ ّن القصة‬
                                                                                       ‫ف ٌّن يحتاج إلى الكثير من الجهد‬
‫جعفر العقيلى‬                ‫شاكر عبد المجيد‬    ‫المبدع يصبح واق ًعا‬                   ‫والمثابرة ومواكبة قضايا العصر‬
                                               ‫قاب ًل للتّح ّول ومع ًّدا‬               ‫الطارئة(‪ ،)3‬والتجديد مع اعتبار‬
‫لمسا ٍت خياليّة ومحمولا ٍت عاطفيّ ٍة‬         ‫للانفجار؛ لأن المجتمع‬                    ‫عامل التّشويق‪ ،‬والأخير يحتاج‬
  ‫من ذاكرته‪ ،‬نشأ من ذلك في ٌض‬                                                       ‫إلى جه ٍد مض ٍن وذلك لأ ّن الإنسان‬
  ‫دلال ٌّي وإبدا ٌع جمال ٌّي‪ ،‬لذا يتطلّب‬  ‫«يحتاج إلى فكرة تسبقه وتتف ّوق‬            ‫المعاصر دائم البحث عن ك ّل جدي ٍد‬
 ‫من النّ ّقاد تشغيل آليّات التّحليل‬            ‫عليه‪ ،‬وتتحول أم ًل وشو ًقا‬
‫وإعمالها وفق تقنيّات؛ بغية توليد‬                                                                          ‫ومش ّو ٍق‪.‬‬
‫المعنى المخبّأ في النّص‪ ،‬مع الأخذ‬          ‫مح ّر ًكا وهد ًفا محتجبًا‪ ،‬وتكون‬                ‫الق ّصة كأ ّي نو ٍع أدب ٍّي تع ّد‬
‫بعين الاعتبار المعايير الجماليّة‬              ‫أكبر من الماضي والحاضر‪،‬‬                 ‫مرآ ًة تعكس الأعراف‪ ،‬والتّقاليد‪،‬‬
‫والإدراكيّة الواسعة التّي يجب‬                                                             ‫والمتغيّرات الاجتماعيّة‪ ،‬وقد‬
‫أن يتميّز بها النّاقد؛ ومن خلال‬             ‫ومن المجتمع نفسه‪ ..‬لا ب ّد من‬               ‫تعكس ذات المبدع‪ ،‬ولأ ّنها من‬
                                           ‫جس ٍر فكر ٍّي يمتد إلى المستقبل‬
  ‫هذه المميّزات يمكن للنّاقد أن‬              ‫امتدا ًدا لا يحده شيء‪ ،‬ومادة‬               ‫أكثر الفنون الأدبيّة المعاصرة‬
‫يح ّدد العناصر المتواترة في أ ّي‬          ‫هذا الجسر هم الكتّاب بأفكارهم‬                  ‫انتشا ًرا‪ ،‬وأقدرها تعبي ًرا عن‬
   ‫ن ٍّص أدب ٍّي‪ ،‬والانطلاق منها إلى‬       ‫وأخلاقهم وتم ّردهم على ك ّل ما‬             ‫أزمة الإنسان المعاصر‪ ،‬فالكلمة‬
‫المستوى العميق لبنية النّ ّص؛ بغية‬           ‫وجد من الأكاذيب والحقائق‬                  ‫فيها تغني عن الجملة‪ ،‬واللّمحة‬

 ‫ف ّض غموضه واستجلاء معانيه‬               ‫أي ًضا‪ ..‬فالحقيقة الموجودة ليست‬            ‫تغني عن الحكاية‪ ،‬والجزء يحمل‬
                                          ‫هدف الكاتب‪ ،‬وإنما هدفه الحركة‬             ‫خصائص الك ّل(‪ ،)4‬وهذا ما ينطبق‬

                                             ‫والتغيير‪ ،‬لا الحقيقة»(‪)7‬؛ لذلك‬               ‫على مجموعة جعفر العقيلي‬

‫نجد أ ّن مجموعة العقيلي واقعة المستترة‪ ،‬وإضاءة ما أصاب لغته‬                         ‫«مسافة كافية»(‪ ،)5‬وهي المجموعة‬
‫من تعتي ٍم وتضلي ٍل‪ ،‬وتوضيح‬               ‫االلنّلّفغوس ّّيي‪،،‬‬
           ‫مساراته الملتوية‪.‬‬                                   ‫تحت سطوة ال ّزمن‬        ‫القصصيّة الخامسة له‪ ،‬ويكمن‬
                                                               ‫والإيحاء‪ ،‬والتّلاعب‬   ‫السبب في اختيارها للدراسة هو‬
                                                                                       ‫أ ّن ك ّل ق ّصة فيها تحيل القارئ‬
‫ومن هنا ارتأت الباحثة إلى‬                 ‫والاهتمام بالمفارقة‪ ،‬والعناية‬             ‫إلى قصة أخرى مماثل ًة‪ ،‬لها علاق ٌة‬

‫بالاستهلال والقفلة‪ ،‬والجنوح إلى البحث في كوامن قصص العقيلي؛‬                              ‫بشك ٍل مباش ٍر أو غير مباش ٍر‬
‫عالم الفنتازيا والغرابة‪ ،‬والتّصوير لاقتناص معانيها بغية استكناه‬
                                                                                    ‫بواقعه‪ ،‬وهذا يدل على مدى طلاقة‬
    ‫ملامحها الرؤيو ّية‪ ،‬من أجل‬            ‫ال ّرائع للأحداث‪ ،‬وهذا ما يندرج‬
‫دراسة جماليّة الق ّص لديه‪ ،‬وهي‬             ‫تحت جماليّة النّص الق ّصصي‪،‬‬                ‫أفكار مبدعها وأصالتها‪ ،‬ومدى‬
                                          ‫وال ّذي سيتم التّركيز عليه بغية‬
    ‫ال ّصيغة النّقد ّية الأقرب التي‬                                                     ‫استيعابه لواقع الق ّراء وتمثله‬
‫تلامس تخوم ن ّصه‪ ،‬والاقتراب‬                  ‫استجلاء معالمه وأدواته‪.‬‬                     ‫لجزيئاته‪ ،‬ومن ث ّم بلورته في‬
‫نص العقيلي هو عبارة عن تص ّور من شذراته واضع ًة ومضات‬                                ‫أشكا ٍل فنيّ ٍة جيّد ِة الإحكام تكون‬
‫ذهن ّي اعتلج فكر مبدعه‪ ،‬فأضفى نقد ّية تستطلع بها أفق البنية‬
   212   213   214   215   216   217   218   219   220   221   222