Page 80 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 80

‫العـدد ‪23‬‬                            ‫‪78‬‬

                                                              ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬

‫أحمد عبد العاطي‬

‫اعتراف مؤجل بالحب‬

  ‫من تلك المرات القليلة أنها لم تفزع بالشكل الكافي‬      ‫كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل لمَّا طرق‬
‫ساعتها‪ ،‬أي بالشكل الذي يسمح لها بنهره وتعنيفه‬             ‫بابها غريب لم يفصح عن اسمه‪ .‬سألت « َمن؟»‪،‬‬
                                                           ‫رفض التصريح بأي مما يخصه‪ :‬اسمه‪ ،‬سنه‪،‬‬
                      ‫وطلب الشرطة له إن أمكن‪.‬‬         ‫سبب مجيئه في ذلك الوقت الذي تغمض فيه الطيور‬
      ‫من المؤكد أن ما حدث أخذ حيزه من تفكيرها‬            ‫أجفانها وتلمع نجومه أكثر من أي وقت آخر في‬
      ‫بما يتيح لها جمع ما يكفي من الحذر‪ ،‬وحين‬            ‫الظلام‪ .‬لكنها لما أشرعت الباب ورأته‪ ،‬بدا متله ًفا‬
   ‫طرق الباب الشخص ذاته مرة أخرى بعد عشرة‬                ‫وهو ينبهها بابتهاج‪ :‬الشهر القادم سأطرق بابك‬
     ‫أيام وقال لها‪ :‬بعد عشرين يو ًما سأطرق بابك‬
 ‫لأصارحك بحبي‪ ،‬لم تتخيل أن ردة فعلها ستصبح‬                                           ‫لأصارحك بحبي‪.‬‬
      ‫أكثر استهتا ًرا مما قوبل به تصريحه في المرة‬        ‫غمرته الفتاة المشتتة بنظرة خائفة‪ ،‬و ُس ِمع للباب‬
       ‫الماضية‪ .‬والحال أنها بدت مستعجبة وخائفة‬         ‫صوت مهتز متحشرج وهي تغلقه في وجهه‪ .‬رحل‬
   ‫ومنجذبة إلى ذلك الصدق في صوته ونظرته التي‬            ‫الرجل وهي تشيعه بنظرة تخلو من التأثير الذي‬
‫لعبت دو ًرا ها ًّما في وقوفها ساكنة أمامه‪ ،‬غير قادرة‬
‫على إبداء أهون حركة تصده بها‪ .‬وقد حدثت عندئذ‬                ‫أراد بثه فيها‪ ،‬كانت تعرف أن لل ُسكر تجلياته‬
  ‫مصادفة غريبة؛ كان الوقت قد عاد للخلف خمس‬                 ‫المزعجة أحيا ًنا‪ ،‬لكنها لم تتخيل أن يباغتها من‬
   ‫دقائق كاملة‪ ،‬كما لو أنه ساحر أوز العجيب وقد‬          ‫يسيِّرهم الليل في الشوارع موجهين إلى مصيرهم‬
 ‫أعاد ترتيب الأمر وما يتوافق واللحظة التي سبقت‬          ‫المجهول فيلقون بأعبائهم النفسية والجسدية على‬
‫مجيئه‪ ،‬خمس دقائق عصيبة هي كل ما تطلبه الأمر‬           ‫الغرباء‪ .‬بل وصل بهم الأمر‪ ،‬هؤلاء المحتالين الذين‬
  ‫لتقع فتاة وحيدة‪ ،‬غير قادرة على صد الغرباء‪ ،‬في‬       ‫سمعت عنهم القصص والحوادث الجسام‪ ،‬باختلاق‬
 ‫شراك هذا التنبؤ الاستفزازي من غريب لا قبل لها‬          ‫الأكاذيب والإلقاء بها من أعقاب الأبواب المطمئنة‪.‬‬
                                                      ‫ظلت الفتاة طوال الليل مستيقظة‪ ،‬ومع أول انشقاق‬
                                            ‫به‪.‬‬          ‫للفجر كانت قد غاصت في حلم متكرر ح َّل وجه‬
    ‫تبددت تصورات الفتاة عن حياتها‪ ،‬وكلما همت‬
  ‫بتفسير هذا الهجوم المفاجئ على مشاعرها والتي‬                               ‫الغريب فيه كتيمة أساسية‪.‬‬
 ‫تختبر جز ًءا منها في لحظة هي أشد لحظات عمرها‬          ‫في أعقاب ما حدث‪ ،‬وبمرور الأيام‪ ،‬نسيت الحادثة‬
    ‫تعقي ًدا‪ ،‬فشلت في إطفاء الجانب الذي أيقظه فيها‬      ‫برمتها‪ ،‬لم تعد تأبه بأي غريب سيطرق بابها بعد‬
 ‫مجرد مار في الليل وقع اختياره على أكثر أعشاش‬
                                                          ‫شهر ويبلغها «أحبك» حتى لو خرجت منه بكل‬
                           ‫الليل هدو ًءا وهشاشة‪.‬‬        ‫الصدق الممكن في الحياة‪ .‬لكن الموقف ظل يتعقبها‬
 ‫قررت الفتاة إنهاء القصة عند تلك النقطة وأقسمت‬          ‫كما تؤرق مساف ًرا على طريق ليلي إشارات بتنبيه‬

   ‫في داخلها‪ ،‬عند رؤيته مرة أخرى‪ ،‬أن تكون المرة‬            ‫الكيلومترات التي مضت‪ .‬ربما في السوق مرة‬
   ‫الأخيرة التي يرى فيها هذا الغريب النهار والليل‬       ‫وفي العمل مرتين لا غير‪ ،‬ليس بالقدر الكافي الذي‬

                                                          ‫تستدعيه أمور مشابهة‪ ،‬فقط تنبهت في كل مرة‬
   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85