Page 84 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 84
العـدد 23 82
نوفمبر ٢٠٢٠
حسان العوض
(سورية)
في انتظارها
يحصي عدد السيارات .ابتسمت .ضحك أحد ربما ..إنها المرة الألف التي سأركب فيها الحافلة
الركاب ..كان السائق يدفع ما تيسر لشرطي في مثل هذا الوقت ..الشمس كأطفال القرية البعيدة:
المرور ،ثمنًا لتحية الصباح ..تذكرت انفعالاتي التي تتمطى ،وتفرك عينيها ،ولا تنوي أن تغسل وجهها
لم تعد تثور على مثل هذا الموقف ،بحكم الاعتياد
بالماء والصابون كما كانت توصي معلمة الصف
ربما. الأول.
خطر في بالي أن أمارس إحدى هواياتي القديمة:
أن أتأمل وجوه الركاب وتعبيراتها :الفرح ،الحزن، أصعد السيارة الصغيرة التي لا تشبه إلا فأ ًرا
الألم ،العبوس ،الملل ..لكن مقعدي لم يكن يسمح أبيض ،وأجلس على المقعد الخلفي قرب النافذة
اليسرى غير مكترث -كما هي عادتي -بمن رد
لي إلا أن أرى أقفية الرؤوس التي كأنما عليها على تحيتي ..أدفع الأجرة فو ًرا كما هي عادتي..
الطير :الرأس الذي أمامي أشيب الشـعر ،والذي السـائق ينتظر بترقب فرح امتلاء سيارته ..فيروز
قربه مدثر بخمار ،وذاك أصلع .قربي يجلس شاب لم تعد من علامات الصباح الفارقة ..على كل حال
يرتدي قبعة ونظارتين سوداوين .لم يكن ثمة رأس يبدو أن المسجل عاطل فليس ثمة مطرب يعاقبنا،
يخص أنثى؛ لذلك ربما عدت إلى النافذة. يعاقبني على الأقل ،بصوته.
توقفت الحافلة بأمر من الإشارة المرورية التي عبر النافذة ،رحت أنظر إلى السيارات التي تذهب
وتجيء :إنها كثيرة ج ًدا ،وعديدة الأشكال والألوان
تشير إلى افتراق الخط إلى ثلاثة طرق :أحدها
يخاصر المدينة شر ًقا ،وآخر يخاصرها غر ًبا، والأحجام ،حتى على مستوى الزمور :لا توجد
سـيارتان لهما نفس صوت الزمور ..يبدو أن
والثالث يخترقها مستقي ًما. السيارة امتلأت حتى انطلق السائق مسر ًعا؛ فدخل
عبر النافذة ،نظرت إلى الفأر الأبيض الذي يحاذي الهواء مزاح ًما ومن غير استئذان؛ ما اضطرني إلى
الحافلة التي أستقلها .استوقفت عين ّي فتاة تنظر إل ّي
من النافذة .كانت تجلس على المقعد الخلفي الأيمن. إغلاق النافذة.
لم يكن وجهها غريبًا عني .كان مألو ًفا ج ًدا ،لكنني خطر في بالي أن أحصي عدد السيارات التي تجتاز
لم أستطع أن أكون سري ًعا في تذكره .لم تكن تنظر
الحافلة خلال دقيقة واحدة ..تذكرت نكتة الرجل
فحسب .كانت تحدق أي ًضا. الذي دفع للشرطي غرامة مالية ،فقط لأنه كان