Page 81 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 81
79 إبداع ومبدعون
قصــة
قبل خمسة أيام من الاعتراف المزعوم ،عاتبت الفتاة متعاقبين.
نفسها على عدم الاحتياط والاندفاع الذي طفر في عندما يحل الليل كانت الفتاة تجلس في شرفتها
نسيج عالمها فجأة ،أهذا هو الحب؟ كانت تسأل مترقبة أدق خطوة يخطو بها غريب في الأسفل..
نفسها بما أنها لم تتوقع أن يأتيها رغم كل شيء،
وحين تبقى يومان على ظهوره الأخير ،أو نقطة ثمة روح ساكنة تصبغ كل شيء من حولها:
المباني وأعمدة الإنارة ،فض ًل عن الظلام والقمر في
البداية التي ستأخذ الأحداث عندها منعط ًفا مغاي ًرا، منتصف الشهر ،وبينما تفكر في انسلاخ كل مفهوم
استعجلت همتها في تحضير باقة ورودها والتركيز
من معناه لو لم تتوفر له كل الظروف المناسبة
على زينة وجهها وجسدها. للظهور ،كالحب الذي يضمره الغرباء للغرباء بغتة
كان العالم في خيالها يلين ،هي التي اضطرت
لسنوات طويلة أن تخ ِّوف نفسها من كل شعور وبدون مواجهات مشتركة مع الحياة وعقباتها،
بالخضوع والاستسلام ،تجد نفسها الآن متصالحة بينما تقلب ذلك كله في عقلها ،نامت واستيقظت على
مع كونها جز ًءا من الشعورين على حد سواء ،ولولا طرقة خفيفة قضت على كل ما تحمله من قدرة على
إرادتها في عدم انتزاع كل خطوط دفاعاتها مرة مواجهة المفاجأة .كان الورد في يده بنفسجيًّا فات ًحا،
واحدة ،لتخلت عن كل ما يمكن أن يجده عصيًّا على والنظارة المستقرة فوق أنفه تحرك فيها الرغبة في
صفعه أو ًل ثم احتضانه ،لكنها لم تق َو على أفكارها
التفكيك في روحها الفزعة.
أخي ًرا لم تتبق إلا خمس دقائق على الميعاد المنتظر، الهادرة ،فض ًل عن إيقاف حركاته وهو يراقصها
وعند الواحدة لي ًل ،حين لم يظهر غريبها المنضبط الـ»سلو» بالحذر ذاته الذي أبدته أول ما أمسك
في مواقيته بالثانية ،بدأت تحدث نفسها بكل يدها وأراح رأسها على كتفه المعطرة.
ما دأبت على إخفائه ،ولدقيقتين بدأ الإحساس الجنون كله استمر لساعتين ،كيف وجدت نفسها
بالخديعة يتعلق بقدميها ويتسلق كتفيها ويراوغ ما تجفف العرق عن جسدها؟ كيف رأته بكامل هيئته
تبقى فيها من جلد وصبر .وبحلول الدقيقة الرابعة في الظلام متجس ًدا من وراء هواجسها؟ كيف رحل
لم يكن ما يهمها هو مجيئه بل تعنيفه وتوبيخه
ووصمه بكل ما عرفته من الصفات الشنيعة التي وهي لم تزل غارقة في هذا الجوع تلفها كل تلك
ستطال رج ًل مستهت ًرا مستف ًّزا مثله ،رج ًل باعته الأغطية من الخزي؟ وأخي ًرا قبل أن يرحل عاد
جسدها بسعر لا تقبلن به بائعات هوى؛ باعته
بدعوى الحب .وبمرور الدقيقة الخامسة كان يذكرها :بعد عشرة أيام.
هناك ،على الناحية الأخرى من الباب ،يدفع بتحامل جاء الصباح ،ومعه قاومت الفتاة كل رغبة في البكاء
ملحوظ قبض َته ليطرقه ،غير أن هيئة ثيابه الممزقة،
وطريقته في حمل باقة الورود المبعثرة ،ووجهه ذا ولم تنجح ،قبل ذلك كانت تتقلب فوق الفراش
الجروح النافذة ،كان ذلك كله ينبئ بحجة قوية تقبض بساعديها على ثدييها كلما همت بالنهوض،
ستقع في قلب أشد الفتيات عنا ًدا وترف ًعا موقع وحين فاضت منها دمعة ساخنة هاربة من عمق
هذه الوحدة التي وجدت نفسها فيها ،لم تستطع
الرقة والعفو. منع نفسها من التفكير فيما سيحدث بعد عشرة
صفعتها كانت أقل ما استطاعت الإتيان به ر ًّدا على
أيام.
خمس دقائق تأخير. حتى مع ذلك الاعتراف الضمني الذي سيصبح حبًّا
بهدوء ابتسم الغريب ،عاودته تلك النظرة الوادعة مكتم ًل بعد أيام ،كان انتظارها المتلهف لتلك اللحظة
وهو يخبرها قبل الرحيل «يبدو أنك لم تستعدي
بعد ،الشهر القادم سأطرق بابك لأصارحك بحبي». يتعاظم ومعه تتبدل كل رغبة إلى نقيضها :النفور
إلى قبول ،الخوف إلى اطمئنان ،الحس الخافت لحب
الشكوى إلى اختلاق الأعذار .ووجدت نفسها تصب
ذلك كله على علاقتها الناشئة بالغريب .وظل هذا
الإحساس يتكاثر شيئًا فشيئًا حتى بدا لها ناض ًجا
ومؤر ًقا أكثر من أي وقت مضى ،أو يكاد يأخذ
شكله النهائي بعد مرحلة تطور مستمرة.