Page 121 - Nn
P. 121
نون النسوة 1 1 9 بعد انتهاء فعل القراءة لأسفار الكتاب ،وجدتني
أبح ُث عن الفروق الفنية بين السيرة الذاتية التي
اليوم -حسب الاستعمال -تاريخ شخص مشهور يكتبها الكاتب بنفسه ،والسيرة الغيرية التي يكتبها
عمو ًما مر ٍو من طرف شخص آخر ،وهو المعنى آخرون عن شخص بعينه ،حيث إن السيرة الذاتية
القديم الأكثر شيو ًعا»( .)4وعلى الرغم من ولوج
الكاتبة في السيرة الغيرية ،فإنها تطرح مشرو ًعا المباشرة هي التي يكتبها شخص واقعي عندما
لافتًا حول السيرة الثقافية للجغرافيا والزمن، يركز على حياته الشخصية بصفة خاصة على حد
وسيرة الأرشيف الهالك ،كما أعتقد أن السيرة تعبير فيليب لوجون( )3وفي ظني أن عنايات الزيات
الثقافية تتكئ بشكل واسع على السيرة الغيرية؛ لم تصبح الشخصية المباشرة في نص إيمان ،بقدر
سواء أكانت سيرة شخصية أم سيرة مكانية أم ما تكون رم ًزا للمرأة المتمردة في منتصف القرن
سيرة جغرافية ،فتتشكل عنها السيرة الثقافية
للعالم. العشرين ،بعد ثورة يوليو .1952حيث تصبح
الكتابة عن امرأة مصرية متعلمة ذات توجه ثوري
السارد /الميداني مكبوت ،ثم تموت فجأة منتحرة ،وهي تعاني من
جمعت مرسال في نصها ما بين روح الباحث قسوة المجتمع المصري وسلطة عاداته وتقاليده،
والسارد في الوقت نفسه ،فقد طرحت في السفر كانت هي الهدف الرئيس في لجوء مرسال للاهتمام
الأول بطريقة سردية تضع الحدث الرئيس في بداية
السرد ،وهو (انتحار عنايات) فتقول «لم تذهب بالبحث عن أثر عنايات الزيات ،بل يطرح الكتاب
بولا إلى الجنازة ،ولا تعرف أين المقبرة ،أعادت سلسلة من الأسئلة الحائرة في عقل المتلقي ،مث ًل:
القصة التي سمعتها منها من قبل بنفس الترتيب لماذا اهتمت مرسال بالكتابة عن الزيات؟ وما جدوى
والتفاصيل :إنها بعد ذلك التليفون المشؤوم ،ذهبت
إلى ميدان أسترا ،إلى البيت في الدقي ،قفزت السلالم الكتابة والبحث عن أديبة شابة منتحرة؟ وهل
إلى شقة الطابق الثاني ،كانوا قد كسروا بالفعل اقتصرت الكاتبة على السرد المباشر عن عنايات؟
باب الغرفة ،بحثًا عنها ،رأتها ممددة في سريرها،
جميلة كأنها في نوم هانئ ،واللحاف مفرود فوقها وما الهدف من وراء هذه النصوص؟
بإتقان .تقول لي« :قرار حاسم لا رجعة فيه ،إرادتها
سيرة غيرية أم سيرة ثقافية؟
قوية ،لم تكن تمزح»ُ .جنَّ ْت بولا وظلت تشتم
النائمة وتدق بيديها على الجدران ،غادرت البيت، ينتمي هذا السفر المهم (في أثر عنايات الزيات)
ولم تذهب إلى الجنازة»( )5يبدأ إلى ما يعرف بالسيرة الغيرية /الثقافية ،وأعني
الحدث السردي بموت عنايات
بالسيرة الغيرية ،هي تلك السيرة التي يكتبها
الزيات منتحرة في غرفتها، آخرون عن شخص له أثره العظيم في نفوس أمة
حيث كانت بولا (نادية لطفي)
في الإسكندرية وجاءت على إثر من الأمم في الحياة ،كسيرة
النبي محمد صلى الله عليه
تليفون مشؤوم من القاهرة،
يخبرها بموت عنايات ،في ظني أن وسلم وسيرة الصحابة
الحدث الذي اعتمدت عليه مرسال وسيرة العلماء والأدباء الذين
يمثل منطقة سردية مؤثرة، لم يكتبوا سيرهم الذاتية
لتبدأ ما وقع بالفعل على عنايات بأنفسهم ،بل كتبها عنهم
وصديقتها نادية لطفي ،حيث تبدأ آخرون من خلال أحاديثهم
مرسال كتابها من لحظة نهاية وعلاقتهم بهذا الشخص
المعروف ،وقد ذكر المترجم
عمر حلي في مقدمة ترجمته
لكتاب السيرة الذاتية لفيليب
لوجون« :وتعني لفظة سيرة