Page 282 - Nn
P. 282

‫العـدد ‪35‬‬                           ‫‪280‬‬

                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

    ‫قد يأتي من مكان معين‪ ،‬لكنه‬       ‫بشكل أكثر وضو ًحا‪ ،‬حيث قوبلت‬          ‫ولم يكن مسمو ًحا لأحد أن يروي‬
   ‫دائ ًما يعيش في مملكته الخاصة‬     ‫أعماله الأدبية هناك بالاستحسان‪،‬‬        ‫الحكايات المعروفة أو التي سمع‬
                                                                            ‫بها أحد من قبل‪ ،‬وإنما كان على‬
                       ‫الفريدة»‪.‬‬        ‫غير أنه لم ينل سوى القليل من‬
 ‫لذلك يري أوكري أن الحديث عن‬            ‫المال حتى أنه قال ذات يوم بعد‬         ‫كل شخص أن يبتكر حكاياته‬
‫جابرييل جارثيا ماركيز لا بد وأن‬        ‫تخرجه من الجامعة‪« :‬لقد عانيت‬                             ‫الجديدة»‪.‬‬
                                         ‫من ضيق العيش وتشردت في‬
   ‫يقابله حديث مماثل عن تشينوا‬        ‫الشوارع ونمت فوق الأرض عند‬           ‫ثم يضيف قائ ًل‪« :‬كانت حكاياتنا‬
  ‫أتشيبي ‪ ،Chinua Achebe‬كما‬            ‫الأصدقاء‪ ،‬وبالتالي لم أكن قاد ًرا‬       ‫تشبه إلي حد كبير ذلك النهر‬
   ‫أن التفكير في لوركا لا بد أي ًضا‬    ‫على التفكير السليم‪ ،‬لكن كل ذلك‬
  ‫أن يستدعي وول سوينكا ‪Wole‬‬            ‫كان جمي ًل وبائ ًسا في آن واحد‪،‬‬      ‫الذي يجري خلف الفناء الخلفي‬
   ‫‪ Soyinka‬وإلا يصبح الأمر كله‬                                               ‫لبيتك‪ ،‬والذي هو موجود دائ ًما‬
                                          ‫وعندما عملت مذي ًعا ومحر ًرا‬       ‫في مكانه ويجري بين جوانحك‬
                          ‫عبثًا‪.‬‬          ‫للشعر في مجلة غرب أفريقيا‬        ‫وداخل روحك‪ ،‬لكن أح ًدا لم يفكر‬
‫قرأت كثي ًرا عن بن أوكري‪ ،‬ونظ ًرا‬    ‫فصلوني بعد فترة لأنني لم أتمكن‬            ‫في التقاط صورة فوتوغرافية‬
‫لاهتمامي الخاص بالأدب الأفريقي‬           ‫من نشر ما يكفي من الشعر»‪.‬‬            ‫له‪ ،‬أو محاولة معرفة أسراره‬
                                          ‫بدأ بن أوكري قراءاته المبكرة‬      ‫وأساطيره‪ ،‬أما بالنسبة لي وبعد‬
   ‫فإن محاولاتي في اقتناء أي من‬         ‫بالأساطير اليونانية وشكسبير‬
 ‫أعماله وبخاصة هذه الرواية ‪The‬‬            ‫وإبسن وسوفوكليس ومارك‬                ‫أن عرفت أن الكتابة ‪-‬وليس‬
                                        ‫توين وبرنارد شو وتولستوي‬            ‫الرسم‪ -‬هي طريقي‪ ،‬وبعد فترة‬
    ‫‪ Famished Road‬لم تتوقف‪،‬‬          ‫وتورجنيف وديستوفسكي‪ ،‬وكان‬             ‫من التأمل والوحدة ثم إحساسي‬
       ‫غير أن كل المحاولات باءت‬         ‫حبه للقراءة هو ما جعله يذهب‬         ‫الجارف بالحنين إلي الوطن وأنا‬
                                       ‫إلي لندن في سن التاسعة عشرة‬        ‫بعيد عن نيجيريا‪ ،‬بدأت أتذكر تلك‬
   ‫بالفشل‪ ،‬ولكن يبدو أن الدكتور‬      ‫وبرفقته روايته الأولي‪« :‬لقد رحلت‬      ‫الحكايات والقصص ولكن برؤية‬
     ‫جابر عصفور قد قرأ أفكاري‬         ‫إلى لندن لأن لندن بالنسبة لي هي‬     ‫جديدة وأصوات جديدة‪ ،‬ثم عرفت‬
                                      ‫موطن الأدب‪ ،‬لقد ذهبت إلي هناك‬        ‫أن كل البشر لديهم ما يميزهم في‬
  ‫وفاجأنى بالرواية التي قمت علي‬                                           ‫قصصهم التي يبدعونها بأنفسهم‪،‬‬
‫الفور بترجمتها وصدرت في العام‬               ‫حبًّا في شكسبير وديكنز»‪.‬‬
‫‪ 2008‬عن المركز القومي للترجمة‪،‬‬            ‫بقراءة أعمال أوكري المتنوعة‬           ‫والتي كانت تطوق طفولتهم‬
  ‫وأتمنى أن أكون قد أضفت شيئًا‬                                                  ‫وتأثروا بها ثم انعكست في‬
‫ذا قيمة إلى قارئ العربية‪ ،‬ورصي ًدا‬         ‫نستطيع أن نلمس بوضوح‬
                                           ‫أنها أعمال أفريقية بحتة في‬                ‫إبداعاتهم وهم كبار»‪.‬‬
   ‫مه ًّما ضمن اهتماماتى الخاصة‬          ‫مادتها وروحها‪ ،‬غير أنه يرى‬        ‫وهكذا يمكن القول إن أوكري قد‬
  ‫بالأدب الأفريقى الأسود الزاخر‬          ‫غير ذلك فيقول‪« :‬ليس للأدب‬        ‫تأثر كثي ًرا بذكريات الحرب الأهلية‬
 ‫بالكنوز الأدبية الفريدة والمتميزة‪.‬‬        ‫وطن‪ ،‬وإلا لأصبح شكسبير‬          ‫التي حدثت في نيجيريا وهو طفل‬
  ‫إنها رواية ملحمية طويلة‪ ،‬وكان‬          ‫كاتبًا أفريقيًّا‪ ،‬حيث الكثير من‬
                                         ‫أعماله يمكن أن تكون أفريقية‬           ‫صغير‪ ،‬كما كان لفترة شبابه‬
     ‫التصدي لقراءتها ثم البدء في‬        ‫خالصة في مضمونها وروحها‪،‬‬           ‫اليافع تأثير كبير عليه‪ ،‬بالإضافة‬
   ‫ترجمتها مسئولية كبيرة وعبئًا‬           ‫وكذلك شخصيات تورجنيف‬            ‫إلى الفترة التي ابتعد فيها أربعمائة‬
                                      ‫من المتسكعين في أحياء الأقليات‪،‬‬      ‫ميل عن عائلته في لاجوس لتلقي‬
     ‫ثقي ًل‪ ،‬لكنني أدركت ‪-‬بمجرد‬          ‫وأي ًضا شخصيات ديكنز التي‬
     ‫قراءتي للصفحة الأولي‪ -‬أنها‬            ‫من السهل رؤيتهم علي أنهم‬             ‫تعليمه الثانوي‪ ،‬وقد قال في‬
     ‫مسئولية جذابة وشيقة‪ ،‬ولن‬         ‫نيجيريون‪ ،‬أقصد القول إن الأدب‬           ‫هذا الصدد‪« :‬لقد زلزلتني تلك‬
  ‫أقدر علي الفكاك منها‪ .‬ثم عرفت‬
  ‫‪-‬بعد الانتهاء من ترجمتها‪ -‬أنها‬                                                                ‫التجربة»‪.‬‬
  ‫عبء ممتع لم أشعر بمثله فى كل‬                                            ‫ومما لاشك فيه أن سفره لإنجلترا‬
    ‫ما قرأت أو ترجمت من الأدب‬
                                                                               ‫للدراسة في جامعة إيسيكس‬
                ‫الأفريقى الأسود‬                                            ‫‪ Essex‬قد ساعده على رؤية بلده‬
   277   278   279   280   281   282   283   284   285   286   287