Page 277 - Nn
P. 277

‫‪275‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫سيرة‬

 ‫الجميلة‪ .‬كنت أتمنى لو يدوم ذلك‬        ‫أذكر أن «العجلة» قد ماتت بعدها‬          ‫السؤال‪ :‬ماذا يختفي على الضفة‬
                        ‫أعوا ًما‪.‬‬                      ‫بأسابيع قليلة‪.‬‬                      ‫الأخرى من المرآة؟‬

    ‫أذكر محاورة جدتي لقبر خالي‬        ‫الشيخ محمد يتحدث إلى أشخاص‬            ‫ماذا لو نخرس هذا الكائن الــ»كما‬
   ‫صالح الذي لم يكونوا متأكدين‬             ‫يشبهوننا في دماغه يجلسون‬         ‫ينبغي» لينطق الكائن الحقيقي الذي‬

     ‫أنه قبر فع ًل‪ .‬البلدية وضعت‬         ‫أمامه في صف لم يكن موجو ًدا‬               ‫نقمعه يوميًّا وفي كل لحظة؟‬
‫اسمه عليه المجاهد الشهيد «صالح‬          ‫في جزائر نهاية الثمانينات‪« :‬أنتم‬        ‫أذكر عمي المكي‪ .‬ميكي‪ .‬كان لا‬
  ‫لطرش»‪ .‬كنت قد سمعت أنه حي‬          ‫مستقبل البلاد‪ ،‬عليكم ان تكونوا في‬           ‫يضحك كثي ًرا ولا يتكلم كثي ًرا‪،‬‬
                                      ‫مستوى التحدي الذي رفعه شهداء‬             ‫يسألونه‪« :‬بما أنك كنت تعلم كذا‬
    ‫عند ربه يرزق‪ ،‬وأنه لا يعرف‬        ‫الأمس‪ .‬المشعل بيدكم‪ ،‬أما نحن قد‬         ‫وكذا فلماذا لم تقل شيئا؟»‪ ،‬فكان‬
 ‫عذاب القبر‪ .‬وكان يحلو لي تصور‬                                               ‫يقول‪« :‬فهامتي لي أنا‪ ..‬عندما أفهم‬
‫الحفلات الصاخبة التي يحظى بها‬                              ‫انتهينا‪.»..‬‬           ‫أنا يكفيني ذلك»‪ .‬كان أوروبي‬
‫الشهداء تحت الأرض‪« .‬يااااه لو أن‬        ‫عمي مختار السكران يتحدث إلى‬         ‫الملامح عربي الحدة أمازيغي المزاج‬
 ‫الواحد يستشهد» أذكر أنني كنت‬        ‫ليلى النايلية في ذكرياته‪ :‬قال إنه قال‬     ‫لا يهدأ على حال‪ – .‬واش بيك؟ ‪-‬‬
                                     ‫لها‪« :‬كنت أحلم بما رأيته في حياتي‪،‬‬
                ‫أقولها متحس ًرا‪.‬‬       ‫ولكن الحياة لم تسمح لي بأن‪..»..‬‬                                ‫والو!‬
   ‫أذكر شكل أم كلثوم في أفلامها‪.‬‬      ‫فكانت على ما يبدو ترد عليه قائلة‪:‬‬          ‫في أواخر أيام عمره في الريف‬
 ‫كان لها شكل امراة مسنة وتلعب‬          ‫«قلت لك فقط إنك جميل ج ًّدا‪ ..‬لم‬         ‫البائس الذي ظننا أننا ابتلينا به‬
                                                                                 ‫‪-‬قبل أن يحوله حجر الذاكرة‬
    ‫أدوار شابات في مقتبل العمر‪.‬‬               ‫أطلب منك أن تتزوجني»‪.‬‬             ‫الفلسفي إلى فردوس على أرض‬
  ‫كنت منزع ًجا منها‪ ،‬وكنت أداوي‬        ‫أذكر اللذة الكبيرة لأمي أو عمتي‬        ‫القلب‪ -‬اكتشف الجميع أنه يتكلم‬
‫ذلك الحرج بالاستماع إلى مدائحها‬        ‫أو خالتي أو أختي الكبرى وهي‪/‬‬
   ‫النبوية‪ :‬سلوا قلبي وولد الهدى‬     ‫هن تنقب عن القمل في شعري‪ .‬كان‬                          ‫الإيطالية بطلاقة‪.‬‬
                                      ‫شعري كستنائيًّا مائ ًل إلى الشقرة‪،‬‬         ‫أذكر عمي المكي‪ .‬وأذكر صفة‬
            ‫وسلوا كؤوس الطلا‪.‬‬        ‫ناعم وخفيف ولطيف الملمس‪ .‬يطول‬             ‫«المهبول» التي ارتبطت به‪ .‬أذكر‬
‫أذكر تكراري للشريط عندما تصل‬                                                   ‫أنني قلت في دخيلتي‪ :‬الحياة هي‬
 ‫إلى المقطع الذي يعبر عن شعوري‬           ‫مفلف ًل وجام ًحا وبرا ًقا‪ .‬لم يكن‬  ‫المهبولة لأنها لا تفهم أبناءها جمي ًعا‪.‬‬
                                         ‫يجدن شيئًا ولكنني كنت أتمتع‬         ‫تعد غر ًفا مريحة للنمطيين وتكشر‬
                         ‫بدقة‪:‬‬        ‫بالمداعبة الطويلة لأناملهن الأنثوية‬   ‫عن أنيابها لكل من يخرج من صف‬
‫ولا ينبيك عن خلق الليالي كمن فقد‬
                                      ‫جولي كريستي‬                                         ‫السلوك والوجدان‪.‬‬
            ‫الأحبة والصحاااابااااا‬                                               ‫أذكر محاورات كثيرة تساءلت‬
‫وقتها كنت في السابعة عشرة‪ ،‬كنت‬                                               ‫عنها أو ًل‪ ،‬ثم عشتها ثانيًا‪ ،‬قبل أن‬
                                                                               ‫اكتشف في زمن ثالث أن ما أثار‬
   ‫أحب فتاة اسمها أحلام‪ ،‬كلمتها‬                                                 ‫تعجبي هو ما عشته بحذافيره‪.‬‬
 ‫مرتين فقط؛ في واحدة طلبت مني‬                                                  ‫عمي مسعود في ليلة رأس العام‬
                                                                               ‫يتأمل صورة أبيه «جدي محمد»‬
     ‫«الأحمر والأسود» لستاندال‪،‬‬
   ‫وفي الثانية استرجعته منها‪ .‬ثم‬                                                   ‫ويحاوره باكيًا أو شبه با ٍك‪.‬‬
   ‫لن نتبادل الحديث بعدها سوى‬                                                 ‫جدتي «س ْعدة» تتحدث إلى بقرتها‬
  ‫بالنظرات الحائرات المولهات من‬                                              ‫قائلة‪ :‬لم أعد أستطيع السير معك‪.‬‬
  ‫بعيد‪ .‬أذكر أنني كنت أتكلم إليها‬
 ‫كثي ًرا وهي بعيدة في بيتها‪ .‬اكلمها‬                                              ‫من الآن فصاع ًدا اعتمدي على‬
‫وأرد على نفسي عو ًضا عنها‪ .‬وكان‬                                               ‫نفسك‪ .‬اذهبي للمرعى في الوادي‬
 ‫يحدث ‪-‬فيما أذكر‪ -‬أن آخذ رأيها‬                                                 ‫وحدك‪ ،‬وحذار من أبناء الحرام‪.‬‬
‫في طعام أو شراب أو لباس‪ ،‬وكنت‬
    ‫أكرر رأيها بيني وبين نفسي‪.‬‬
‫كان كل ذلك يذ ّكر بالصمت الهادر‬
   272   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282