Page 114 - m
P. 114

‫العـدد ‪55‬‬   ‫‪112‬‬

                                                    ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

‫رانيا عبد الله‬

‫(اليمن)‬

‫جذر الزيتون وجوف الهاوية‬

‫الطريق ُممهد بسجادة حمراء ومنصة ُمجهزة لإلقاء‬                   ‫جذر الزيتون‬
   ‫كلمة ‪-‬قيل أنها تاريخية‪ ،-‬كل عدسات التصوير‬
                      ‫حاضرة‪ ..‬كلها بلا استثناء‪.‬‬        ‫الحشد كبير‪ ،‬وتزاحم لغط الحناجر يجعله يبدو‬
    ‫في غرفة القائد الصمت مترب ٌع على عرش المكان‪،‬‬    ‫أكبر‪ .‬وجو ٌه ُمتعبة ُيط ُّل الأمل من بين آثار السنون‬

‫يتأمل الفرقاء وجهه منتظرين تحرك شفتيه لإعلان‬             ‫المتناثرة على تقاطيعها‪ ،‬وأخرى ُمرتابة ُتخفي‬
     ‫بداية النهاية‪ ،‬غصن الزيتون يقبع على الطاولة‬       ‫توجسها بحركة ُمفرطة للرأس والعينين‪ ،‬حضر‬

 ‫بجانب مديرة المكتب الجالسة هناك تراقب الخواتم‬          ‫الجميع لم يغب أحد‪ ،‬الواقف والجالس‪ ،‬الكامل‬
 ‫في أصابعها‪ ،‬وتلاعب الأساور التي تعانق ساعدها‬                            ‫والناقص‪ ،‬الصغير والكبير‪.‬‬

                                        ‫الممتلىء‪.‬‬         ‫حملوا كل الأسى والأمل‪ ،‬الحاضر والماضي‬
 ‫نهض بتثاقل وفعل الجميع مثله‪ ،‬ساروا بخطواتهم‬                  ‫ووضعوه على كف هذه اللحظة الفارقة‪.‬‬

       ‫الثقيلة تتبعهم المديرة حامل ًة غصن الزيتون‪،‬‬     ‫أحد الفاقدين أذرعهم يتململ من لهفة الانتظار‪،‬‬
  ‫وحين أطلوا على الجمع علت الهتافات والتصفيق‪،‬‬          ‫يغمزه صديقه الضرير ماز ًحا‪ :‬كيف ستعبِّ ُر عن‬

    ‫واستمرت خلال سيرهم على السجادة الحمراء‪،‬‬                                   ‫فرحتك دون تصفيق؟‬
     ‫وازدادت حرار ًة حين غرس الأخ القائد غصن‬         ‫اقترب من أذنه مجيبًا‪ :‬كما ستشاهدها أنت‪ ..‬علت‬
      ‫الزيتون في ترب ٍة بجانب المنصة‪ ،‬تعانق معظم‬
                                                                                        ‫قهقهاتهما‪.‬‬
‫الجمع واختلطت الدموع بالعرق‪ ،‬تصافحت الأجزاء‬           ‫حملت أمهات الشهداء صور أولادهن بيد‪ ،‬وباليد‬
     ‫الحاضرة والغائبة من الأجساد‪ ،‬ظلت العجوز‬          ‫الأخرى حفي ٌد أو اثنين؛ إلا عجو ًزا لم تكن تحمل‬

  ‫ترقب القائد بوجهها المعتم حتى صعد على المنصة‬          ‫أي صورة؛ لكنها ُتمسك بحرارة ك َّف حفيدتها‬
     ‫وأشار الحراس على الجمع بالصمت‪ ،‬بدأ إلقاء‬        ‫لئلا تفقدها في الزحام‪ ،‬تتأمل صورة القائد بوج ٍه‬
                                                     ‫معتم‪ ،‬أحد الضالعين في تحليل اللحظات الحاسمة‬
   ‫الكلمة بالحديث عن ويلات الحرب وجهد الفرقاء‬       ‫يرفع حاجبًا و ُينزل آخر وهو مستغر ٌق في شرح ما‬
      ‫لإيقافها‪ ،‬عن الأسرى المحررين من المعتقلات‬      ‫ستؤول إليه الأمور‪ ،‬وحول ُه مجموع ٌة من المتلهفين‬
     ‫المتجاورة‪ ،‬وختمها بالترحم على الشهداء الذين‬      ‫دو ًما لأي تفسير وتأويل ليشبعوا به نهم انتظار‬

    ‫ُوضعت صورهم على كل جدار‪ ،‬رفع يده أخي ًرا‬                                                 ‫الآتي‪.‬‬
‫مرد ًدا عبارة (حي على السلام)‪ ،‬في تلك اللحظة اهتز‬
   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119