Page 116 - m
P. 116
العـدد 55 114
يوليو ٢٠٢3
تحرروا وقد كانوا بالأمس أسوأ حا ًل منا.. حركة خفيفة حوله ..يضطرب الطابور فيوقف
هز رضوان رأسه نافيًا :ول َم أحتاجه؟ الموزع العمل.
كل من أعرفهم هنا حولي والخيام لا تعزل يوقف رضوان أحد اليافعين وهو يركض.
الأصوات.. -ماذا هناك؟
قهقه عبد العليم بصوت عا ٍل :العالم في هم أوطان -جاءوا بمجموعة جثث لشباب غرق زورقهم.
ذهبت وهذا في بسطة جوارب وربطات شعر نسائية -إلى أين كانوا متجهين؟
-إلى اليونان.
سحبتها بلدية.. -تهريب؟
أمسك ثابت بتلابيب عبد العليم :أنت معذور..
مضى اليافع وهو يرفع كتفيه ويمط شفتيه متعجبًا:
فاللصوص لا يشغلهم رزق ضائع.. -أكيد تهريب.
انتزع عبد العليم (الجنبية) من خصره ورفع ذراعه
مهد ًدا بها :اتركني قبل أن أريق دمك وكما تعلم فدم يعود رضوان للجلوس على الصخرة:
-هربوا من الموت بالبارود إلى أحضان الذل
العملاء حلال.. والفاقة فتملصوا منها إلى حضن الموت غر ًقا..
تدخل أبو حسين ورضوان لفك الاشتباك وراحا ارتاحوا ،لكنهم تركوا خلفهم قلوب أمها ٍت مطعونة
لا تملك حتى أن تسحب منها الخنجر ،فأنت تائه في
ينهالان عليهما بالسباب والتأنيب عن كثرة
اشتباكهما بالأيدي والألسن. قضية من طعنها.
كفكف أبو حسين دمعة تسللت هاربة من عينه
عاد طابور المؤن للانتظام والسير واصطف عبد
العليم وثابت خلف بعضهما في آخره.. السليمة استجابة لعبارات رضوان.
ربت رضوان على كتفه وراح يمازحه :أين ذهبت
أشعل رضوان سيجارة أخرى وراح ينفخ دخانها
بكثافة تهيج دمعه.. عينك اليسرى يا أبا حسين؟
استعاد أبو حسين حزمه وامتلأ وجهه بتعابير
ينفخ رضوان الدخان وقد نهض وهو يفتش جيوب الفخر :راحت فداء للوطن برصاصة الاستعمار.
بنطاله ويبحث في الأرض: اقترب منهما عبد العليم الشاب الثلاثيني ذو الشعر
الكثيف :وأين ذهب الوطن الذي حررته عينك ياعمي
-عليهما غضب الله لقد فقدت بطاقتي بسببهما أبي حسين؟ ذهب وأخذ معه حسين في غمضة عين!
والطابور يكاد ينتهي ..يبحث ويبحث دون جدوى يلتفت إليه أبو حسين وهو يزم شفتيه ويقبض
حتى رأى العامل يغلق دفتره فركل الأرض لاعنًا كفه :بل ذهب لأنكم جي ٌل رخو ثقل عليكم الحمل
العيشة وتفاصيلها. فتركتموه..
تنهد أبو حسين وكست وجهه ملامح الأسى: سكب عبد العليم محتوى عبوة الماء التي في يده
يقولون إن الصهاينة يعدون العدة لاحتلال القدس على شعره وراح يهزه ويبتسم :أورثتمونا الكيس
مرة أخرى ،إن حدث هذا فإلى أين سنتجه؟ مثقو ًبا وقلتم حافظوا على الرمل الذي فيه..
أطفأ رضوان السيجارة بقدمه والتفت لأبي حسين: بالقرب من هذا الحوار كان يعلو صوت ثابت
الشاب النحيف وينخفض وهو يتكلم على الهاتف
لن نذهب إلى أي مكان ،فالهرولة بدأت من هنا النقال :يا أخي ماذا يضرك إن وقفت أمام المحل،
والصعود لن يكون إلا من هنا. هل سأخطف الزبائن منك؟ كلانا يبيع بضاعة
مختلفة ،الله يصلحك هل الحل أن ترسل لي البلدية
مر عاملي المؤن بجوارهما ..أخذ العامل السمين
يجمع الأحجار ويرصها على الأرض مسو ًرا بقعة ليصادروا مصدر رزقي؟ ألو ألو..
صغيرة ،بينما زميله يشغل السيارة ويشير إليه: اقترب ثابت من رضوان :هل لديك هاتف نقال؟
ماذا تفعل؟ لا تؤخرنا أكثر ..صعد إلى السيارة وهو سأستعيره للحظات ،هؤلاء الأوغاد يذلوننا بعد أن
ينفض كفيه من التراب :احجز المكان فربما احتاجه!
سارت السيارة على الطريق الوعر مبتعدة عن
المخيمات والمؤن في خوضها تتمايل وتتدافع..