Page 137 - m
P. 137
نون النسوة 1 3 5 فإن كتاب «ثورة الفانيليا :رسائل من المطبخ»
الصادر عام 2021عن دار المثقف ،يقدم كاتبة
التفاصيل الصغيرة حتى تأخذ حي ًزا أكبر في نصية -مجهولة -تكتب عد ًدا من الرسائل تصل
حياتها ،فتشغل الفراغ وتسد الجوع العاطفي إلى خمس وأربعين رسالة موزعة على ستة أقسام
هي (الرسائل ..لماذا؟ -الن َّوات -الكوارانتينا-
للونس والمؤانسة. فرويديات -متنوع -جنس أدبي ضار) ،تحمل عبر
ومن ثم ،تنتخب الكاتبة من بين زوايا المكان أكثرها تلك الرسائل تمثلات الهوية النسوية من تأملات
ولغة شاعرية ،وتبعث بتلك الرسائل من أشد
دلالة وأكثرها صد ًقا وتأثي ًرا؛ فهي لا تشير إلى الأماكن خصوصية لدى المرأة ،حيث تقضي أغلب
البيت من قريب أو بعيد باعتباره (الداخل الحميم) عمرها ألا وهو المطبخ ،مكان ليس شاعر ًّيا بالمرة،
ذلك المكان الذي يبدو هامشيًّا من الوهلة الأولى
وإنما تشير إلى (داخل الداخل) ،وهو ما يؤول
إلى بحثها عن أشد الأماكن خصوصية ودفئًا. يتحول إلى مركز البوح.
فاعتمدت الكاتبة النصية على المطبخ كمنطلق مكاني
لتلك الرسائل؛ منطلق بد ٍء ومحط عود ٍة .فمنه تبدأ -1نسبية المكان:
رسائلها وهي في أغلب الأحيان محملة بشحنات من
التوتر والاضطراب النفسي ،كمن تعرض لصفعات وهنا يكمن السؤال الذي قد يبادر القارئ حينما
من (الخارج) أو إحباطات متتالية؛ فتلجأ هاربة إلى يطالع العتبة الثانية للنص «رسائل من المطبخ» ،لماذا
المطبخ ،ذلك المكان الدافئ ،حتى إذا ما وصلت إلى
خاتمة رسالتها تكون قد بلغت حالة من التسامح المطبخ بالتحديد؟
والتصالح المؤقت مع واقعها الذي ترفض الانتماء تحتفي الكاتبة بـ(المطبخ) حيث ارتباط وجوده
بكيان المرأة إلى حد كبير ،فصار وجودهما شديد
إليه. الترابط ،إذ لا يكاد ُيذكر أحدهما دون الآخر .وعند
وعليه ،تخلق الكاتبة النصية عالمًا مواز ًيا داخل الحديث عن المطبخ ،تتبدى جدلية الداخل والخارج؛
جنبات المطبخ يجعلها أكثر تق ُّب ًل للواقع؛ فالمطبخ فعلاقة الكاتبة النصية الحميمية بالمطبخ تكمن
مهربها ،وفيه تجلس «محاولة الانفراد بهواجسي في وصفه مبعثًا للدفء والحبور الذي تفتقده في
التي أصبحت أشبه ببندول ساعة قديم أصابه عالمها الخارجي .فيوصف (الخارج) بتلك العلامات
الخرف يتأرجح بين قدرين لعلي أتخلص منهما». الموحشة «الهواء يعوي»« -الساعة المتجمدة»-
تقوم الكاتبة النصية بتدمير المفاهيم المسبقة عن «الوحشة» وما تؤول إليه من دلالات الخوف
المطبخ كونه أشب َه بمتلازمة لا تستطيع المرأة الفكاك
منها ،أو حب ًسا انفراد ًّيا ُيدفع بالمرأة داخل جدرانه والقلق ،بينما يحوي (الداخل)
من قبل المجتمع؛ فهو التجسيد الحسي للقمع منمنمات أشد خصوصية
والأطر التي لا يمكن التخلص منها .فتدمر تلك
الجدران في عقلها وتتحرر من تشترك فيها مع كائنات أخرى
فهمها لهذا المكان كحيز فيزيقي مثل «العنكبوتة القابعة في
وتحوله إلى مكان علاجي يعينها
على تفكيك مخاوفها المتعملقة الزاوية أعلى السقف» و»القطة
في الشباك» والـ»ثلاث نملات».
والمتراكمة بداخلها ،تقول
«تقطيف الملوخية ورقة ورقة.. وتصبغ الكاتبة النصية تلك
على أنغام أغنية راقصة تنبعث الكائنات بأنسنة تفتقدها في
البشر حولها ،فتلك الكائنات
من الراديو تفقد الهواجس يشاركنها مراقبة الكعكات
هيبتها» .ففعل «التقطيف» هنا «وهي تنتتفخ كامرأة متقدة
بالعاطفة والشغف» .فتتعملق
أشبه بالتحلل الشعوري من
التعقيدات النفسية والتحرر من
تشابكات الواقع التي جعلت