Page 138 - m
P. 138
سيمون دو بوفوار تنتخب من بين زوايا المكان
التي تؤرق بنات جيلها في العصر الحالي. أكثرها دلالة وأكثرها صد ًقا
وهنا يكمن الطابع التجريبي في هذه اللغة،
وتأثيًرا؛ فهي لا تشير إلى البيت
فالرسائل ليست من ذلك النوع المرصع من باعتباره (الداخل الحميم)
بأبلغ العبارات وأكثر الألفاظ أناقة وتنمي ًقا،
بل توظف الكاتبة لغة حياتية شاعرية سهلة وإنما تشير إلى (داخل الداخل)،
لا تنغلق على القارئ ،مزاجها أطباق الطعام ومقاطع
بعض الأغاني في الخلفية مع البوح الداخلي .تقول وهو ما يؤول إلى بحثها عن أشد
الأماكن خصوصية ودف ًئا .فاعتمدت
«تكتكات المطر النشطة على شباك مطبخي وثورة
رائحة الفانيليا عند غليانها مع الأرز بلبن بخلفية على المطبخ كمنطلق مكاني لتلك
يقين صوت وردة وهي تخبرنا جمي ًعا :يووه ..هو
فيه حد النهاردة بيفتكر!» ،فتتحول تلك الوصفات الرسائل؛ منطلق بد ٍء ومحط عود ٍة.
إلى بوح جمالي ترتقي فيه اللغة من التداولية إلى
الشعرية ،وتقدم تراب ًطا ووحدة شديدة الانسجام فمنه تبدأ رسائلها وهي في أغلب
بين عالمها الداخلي وذلك العالم الموازي الجديد الذي
تشرع في بنائه حولها ،فعندما تشغل الراديو «ترد الأحيان محملة بشحنات من التوتر
النملات الثلاث والصنبور والثلاجة ورائي في حين
تصفر الغسالة وتصفق العنكبوتة» ،بينما تسترسل والاضطراب النفسي..
في بوحها الداخلي. هواجسها أشبه بوحش متحجر بداخلها .تقول
وتكثر هذه الدفقات الشعرية والمونولوج التأملي عن إحدى صديقاتها «وجود المرأة بالمطبخ لفترات
عندما تقول «أنا واحدة من هؤلاء النساء اللائي
لا يهتممن كثي ًرا للحميات الغذائية ولا الحميات طويلة هو أشبه بمعتقل مجتمعي لها ..إلا أنني
العاطفية ،يبكين كثي ًرا بين الصحون ويتضاحكن في أجد وقوفي في المطبخ وحيدة هو استيلاد لخيالات
العمل وعلى صفحات التواصل الاجتماعي ،وتغزو
كل منهن الدموع في عيونها لغصة الضحكة أو جامحة ،بوابة لحيوات تمنيت عيشها» .ومن ثم،
يتحول الداخل المنغلق إلى مفتوح خيالي أكثر رحابة،
تصل فيه الكاتبة النصية إلى بناء عالم جديد يتماهى
مع تصوراتها الخاصة .وهي في هذا الصدد تدعم
تلك الكاتبة ذاتيتها حتى وإن انفصلت عن بنات
جنسها لتؤثث انفرادها عن مبدأ الجماعة المغيبة،
إذ إن النساء ككتلة جماعة إنسانية قد تسهم أحيا ًنا
في توكيد أنساق قهرية ضربت عليهن من المجتمع
الفوقي.
-2اللغة والأسلوب:
تخرج الكاتبة النصية من بين تلك التفاصيل شديدة
الحميمية للعالم الأنثوي حيث وصفات الطعام،
حكايات الجدات وأواني الطهي لتنقل عبرها دفقات
شعورية وعد ًدا من القضايا والمشكلات الحياتية